تمهلوا بالحكم على الديمقراطية في الشرق الأوسط
يتسارع الكتاب العرب دائماً في إطلاق الحكم على أمال الشعوب بالحياة الكريمة والديمقراطية في الشارع العربي بالخيبة والهزيمة في غضون سنوات قليلة من الصراع الحضاري على تلك المفاهيم التي طالما نادت بها الشعوب والأمم منذ العصر اليوناني إلى يومنا هذا. وتغفل النخبة المثقفة منهم على فهم ماهو أدنى رغبة طبيعية عند الشعوب في حق تقرير المصير وغريزة الإنسان بالحرية التي زرعها الله عز وجل في روحه وعقله منذ خلقه له.
البعض من كتاب النخبة العرب يروا أن المشروع الديمقراطي اليوم في الشرق الأوسط والبلدان العربية قد هزم، وأننا اليوم على مشارف عصر جديد يتسلط به "الديكتاتور العادل" كما أسموه، ويمضي في حكمه الشمولي والإقصائي لمجتمعنا العربي والإسلامي بكل مكوناته وأطيافه. ويستندوا في تحليلاتهم على إخفاق العقلانية الديمقراطية أمام حشود ماسموه ب "الفوضى الإسلاموية" التي حققت نجاح جزئي اليوم في العراق ومصر وغزة ولبنان وأعطت الديكتاتورية السورية الشرعية في الحكم عبر المفاوضات التي تجريها مع إسرائيل بضمانة "الإسلاميين الأتراك".
ماغفل على مثقفينا الكرام، أن المشروع الديمقراطي في الشرق الأوسط اليوم ماهو إلا نتيجة حتمية لتطور الوعي الشعبي عند المواطن و
تجدد إهتمامه بالشأن العام لأمور الدولة والمجتمع، وأن هذا المجتمع اليوم ينشئ أبطال ورجال يحملون في وعيهم وعقولهم أسمى وأنبل
ماعرفه التاريخ النضالي في دعم الديمقراطية والحريات العامة أكثر من أي زمن أخر. وأن الوعي العام عند المواطن اليوم لايعاني من قصور أو جمود أو نقص وإنما ينبض قلبه اليوم في ضلوع أبناء الوطن العربي في كل من سوريا، والعراق ولبنان وفلسطين.
ففي سوريا يتمثل هذا الوعي بالتضحية التي تقدمها و تشهدها المعارضة السورية في الداخل والخارج في صراعها السلمي للتغيير. فبعد أن كثر الكلام على قوة النظام الأمني والإستخباراتي الذي يصف النظام السوري منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن، وبعد أن سحقت أمال الشعب السوري مؤقتاً في خريف دمشق بعد أن تراجعت الحكومة السورية عن وعودها بالإصلاح السياسي الذي وعد به الرئيس بشار الأسد بعد تسلمه السلطة عام 2001، تعالت أصوات المعارضة في غضون سنوات وأنجبت تحت أنف هذا النظام "إعلان دمشق للتغيير الوطني" في عام 2005، وبعد سنة على ذلك ولدت "جبهة الخلاص الوطني في سوريا" في الخارج.
ففي سوريا يتمثل هذا الوعي بالتضحية التي تقدمها و تشهدها المعارضة السورية في الداخل والخارج في صراعها السلمي للتغيير. فبعد أن كثر الكلام على قوة النظام الأمني والإستخباراتي الذي يصف النظام السوري منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن، وبعد أن سحقت أمال الشعب السوري مؤقتاً في خريف دمشق بعد أن تراجعت الحكومة السورية عن وعودها بالإصلاح السياسي الذي وعد به الرئيس بشار الأسد بعد تسلمه السلطة عام 2001، تعالت أصوات المعارضة في غضون سنوات وأنجبت تحت أنف هذا النظام "إعلان دمشق للتغيير الوطني" في عام 2005، وبعد سنة على ذلك ولدت "جبهة الخلاص الوطني في سوريا" في الخارج.
أما في العراق، فبعد أن أطيح بالديكتاتور صدام حسين، وإنصبت أيادي الأنظمة الظلامية الإيرانية والسورية لإخفاق المشروع الديمقراطي
بإشعال الفتنة الطائفية والحرب الأهلية فيه، ورغم كل التحديات الأمنية المعيقة إستطاع أبناء العراق في خوض أول إنتخابات نيابية تعددية حرة منذ تاريخها الإستقلالي شارك فيها أكثر من 6655 مرشحاً، ووصل تعداد لوائح الإنتخابات إلى أكثر من 110 لوائح، و تنافس فيها أكثر من 307 أحزاب و 19 تحالفاً من التيارات والأحزاب والمستقلين، و تم مراقبتها من قبل أكثر من مايقارب على 12000 مراقب دولي، وشارك بها أكثر من 70% من أصل 15 مليون ناخب.
أما في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي أوائل كانون الأول من عام 2006 فقد كانت إنتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عبر صندوق
الإقتراع دليل على وعي الشعب الفلسطيني في ممارسته للعملية الديمقراطية، و قد وصفت البعثة الكندية لمراقبة الإنتخابات حينها بأن ماحصل كان فيه "تحسينات جوهرية في الممارسات الديمقراطية" و "إنجازات ديمقراطية مرموقة".
أما في لبنان فبعد ثورة الأرز البيضاء وتحرير لبنان من عصبة العسكرتاريا السورية، وبعد سنة ونصف من الصدام السياسي
والأيديولوجي بين قوى الديمقراطية الوطنية المتمثلة في تيار المستقبل و 14 أذار والمعارضة المتمثلة في حزب الله، إستطاعت الأطراف الوطنية بأجمعها أن يصلوا إلى صيغة تفاهمية تمنع إستعمال العنف والسلاح بين جميع أطراف النزاع في لبنان في المستقبل، وتم إنتخاب رئيس توافقي وحكومة توافقية، وأثبتوا أن خيار العنف لم يعد يجدي أو ينفع.
هذا لايعنى أبداً أن ماحصل بعدها من إخفاقات رجحت كفة القوى الرجعية المتصارعة على السلطة في هذه البلدان مؤقتاً هو الدليل على هزيمة المشروع الديمقراطي في المنطقة اليوم بل على العكس تماماً، فهو إن دل على شئ يكون قد أثبت أن الوعي الشعبي اليوم في الشرق الأوسط قد أدرك أكثر من أي وقت أخر أن الحراك الديمقراطي للشعوب هو عملية خلاقة تنويرة مستمرة وفي صراع مستمر مع القوى الرجعية والظلامية، وأن الحداثة والمدنية إستطاعت في أقسى الظروف والإمكانيات أن تواجه تلك التيارات الشمولية والفئوية التي تفتك في مجتمعاتنا العربية والإسلامية اليوم وتدفعها نحو التطرف والإرهاب.
هناك قول مشهور بالإنكليزية يقول "روما لم تبنى في يوم واحد". اليوم يتصور البعض من كتابنا الأفاضل أن شعوب المنطقة عاجزة عن أن تصنع مستقبلها لوحدها ويعولون على القوى الخارجية لرسم خارطة الشرق الأوسط الجديد كما تصورتها إدارة بوش الأمريكية بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر، ولكن من يعمل ويدفع الثمن يومياً في هذه البلدان هم أبناؤها الأبرار وشعوبها العريقة، فكم من إمبراطورية غاصبة وسلاطين جائرة مرت على تلك البقعة من الأرض وزالت بعدها كما تزول رمال الصحراء في العاصفة ليبقى شعبنا الأبي، شامخاً متعالياُ في كرامته وعزته يرفض الذل والقهر والإستبداد ليعيد الأمل في الحرية والكرامة والإستقلال ليبني بأيديه ورغبته الغريزية التي زرعها الله فيه دولة العدل والحرية والديمقراطية.
تعليقات