قراءة موضوعية لموقع الناقد
الموضوعية في النقد البناء لأي ديانة سماوية تبني جسوراً بين الأديان وتخفف من حدة الأصولية المأخوذة من صلب و جوهر تلك الأديان. و لكن للأسف الشديد أن معظم من يدعون الموضوعية اليوم في إنتقادهم لديانة ما، يلبسون ثياب الإعتدال والحيادية في كتاباتهم و أرائهم و لكنهم في الحقيقة يبثوا سموم التعصب الديني ليخدموا مصالحهم العقائدية و يشعلوا نار الكراهية والبغض في صدور المؤمنيين في تلك الأديان.
منذ عدة أشهر و في رحلاتي اليومية على الإنترنت كنت قد وجدت من المواقع الناقدة للدين الإسلامي، و قد أصبح منها ماهب و دب على الإنترنت هذه الأيام، موقع يدعى بالناقد. WWW.annaqed.com
كنت قد أعتدت أن أقرأ على هذا الموقع لمجموعة من الكتاب العرب الذين من دون شك عندهم من القدرات الأكادمية العالية جودة في إيصال ماترغب به أنفسهم لقراء الموقع. الموقع نفسه يشرف عليه و يديره السيد بسام درويش الذي له حصة الأسد في تلك المقالات اللاذعة و المليئة بالموضوعية من تارة والسوقية من أخرى. فأصبحت من رواد الموقع من الحين إلى الأخر.
في طليعة الأيام الأولى من زيارة الموقع كنت قد أعجبت بتلك المقالات كثيراً حتى أنني أرسلت للسيد بسام درويش رسالة شكر على جهوده لإقامة موقع من هذا النوع على الإنترنت. فأنا من المشجعين لكل جهود تعمل على تقليص دور الدين في حياة الإنسان و تثبيت دور العقل والعلم. وكنت قد تفاجأت حين نشرالأستاذ بسام الرسالة كاملة على الموقع في قسم من و إلى المحرر.
المهم أنني اصبحت من الرواد المعتادين للموقع كل أسبوع، و لكن مع كل زيارة كنت أقرأ مقالة أو أخرى للسيد بسام وأفاجئ من حدة النقد الموجه للدين الإسلامي بشكل عام والرسول محمد بشكل خاص وطريقة المعالجة الأدبية في المواضيع المطروحة. ومع مر الزمان أصبحت تلك المقالات خالية من أي فائدة إجتماعية أو موضوعية و إنحدرت في المستوى لتشبه أي رسالة من رسائل القراء البذيلة الموجه إلى السيد بسام نفسه والمليئة بالشتيمة والأذى.
من المقالات التي لفتت من شدة إنتباهي كانت "الإسلام بصريح الكلام" . سذاجة المقال أضحكتني و لو انها كانت لاتدنو ولو ذرة إلى المستوى الأكاديمي المطلوب في عرف النقد. قرأت المقال أكثر من مرة حتى أكون صادق مع نفسي لعلني أرى المغذى منه أو جوهر الكلام. و لكن كل ماوجدت كان شتائم بذيلة لاشك أنها نابعة من تعصب أعمى و كراهية لاتحصى لشخصية الرسول محمد. وقد كان السيد بسام مستعيناً بدلائل من القرأن و الحديث من ماقدمته له مكاتب و مواقع الفكرالإسلامي المتوفرة بغزارة على الإنترنت اليوم كغيرها من المواقع الدينية الأخرى. فأخذت على عاتقي أن أكتب مقالة أسميتها ب "ضجيج عربي" تظهر مساوئ التعصب و التزمت في الرأي العربي بشكل عام و الإسلامي بشكل خاص. كانت محاولة لإظهار مساوئ التطرف والتعصب في الديانات الإبراهمية الثلاثة، اليهودية و المسيحية و الإسلام من دون شتيمة أو ألقاب سيئة تمس بنبي أو رسول.
أرسلت نسخة منها للسيد بسام أملاً أن تكون عاملاً على التخفيف من حدة الهجمات في مقالاته المنشورة . بعد مضي أكثر من شهر لم أستلم رد ولا خبر!
هناك مثَلًُ بالإنكليزية يقول " أنك تستطيع أن تلتقط اكثر كمية من الذباب بعصاة مغموسة بالعسل" . هذا ماأردت ان توصل مقالتي من هدف إلى الأستاذ بسام درويش و لكن للأسف يبدو أن المغذى منها قد ضاع أو صُرِف النظر عنه عمداً.
اعود إلى النقطة المذكورة في أوائل هذا المقال أن البعض من النقاد يدعون الموضوعية و هم من لا يفقهوا معنى الكلمة. فمن السهل على أي كاتب أن يتخذ موقف معادي ضد فكرة أو أيديولجية معينة و يستعين بدلائل من تلك الأيديولجية ليثبت ما يقوله. فهذا لاشك من ماتعلمه كليات الصحافة في أي من جامعات العالم. و لكن من الصعوبة القسوى التمسك بالموضوعية في أي جدل أو نقاش وهذا مايدل على مهارة الكاتب أو عدم قدرته. أما عندما يكون الموضوع يمس ديانة سماوية معينة من أتباعها ماتعدى المليار نسمة فمن الواجب على أي ناقد كان أن يقرب من الموضوعية بقدرالإستطاع ليوصل ما يبغى من هدف. أنا لست من المنادين بإعطاء الديانات السماوية مرتبة خاصة و حساسية مرهفة في النقد، فالموضوع المطروح نفسه يناهض العقل و ليس بحاجة إلى كب المزيد من الوقود على أسسه الخالية من الدلائل العلمية أوالعقلانية أصلاً، ولكن أختيار الألقاب الملائمة قد يتطلب من الكاتب أكثر حذراً و حكمة في قلمه. إذا كان الهدف الأصلي من حوار الديانات السماوية هو تخفيف العداوات و الكراهية و وتشجيع التعايش المشترك ضمن تلك الأديان، فلا شك أن موقع الناقد على الإنترت اليوم أصبح من المواقع المشجعة على العكس تماماً. و إذا أردنا برهان لهذا فعملية التخريب التي حصلت للموقع منذ أسابيع تكفي على ذلك.
سأتناول هنا مقالة الأستاذ بسام المذكورة أعلاه و اشرح سبب تسليتي و ضحكي على سذاجة المقال و لكن قبل أن أتفرغ لها دعوني أذكر مرة أخرى نقطة من أهم النقاط الموضوعية التي كنت قد ذكرتها في مقالتي السابقة "ضجيج عربي". في تلك المقالة كنت قد إستعنت بمراجع من القرأن والإنجيل لأثبت نقطة هامة في الحديث عن الديانات السماوية. على الرغم من الإدعائات الباطلة الموجودة على موقع الناقد ليست الديانة الإسلامية هي الوحيدة التي يستطيع الناقد أن يدعي أنها تدعو للعنف أو تحقر وضع المرأة الإجتماعي فيها فهناك ماهب و دب من الأمثلة المماثلة للأيات القرأنية المتعاملة مع هذه المواضيع في الأنجيل و بشكل خاص في العهد القديم أو مايسمى أيضاً بالتوراة.
من هنا نأتي إلى مقالة الأستاذ بسام درويش و التي يفتتح بها بمنطلق و منطق كان قد صاغه من
أعماق جهله أو تجاهله بدينه هو نفسه، فلو كان الأستاذ بسام على معرفة قليلة من ماكتب بإنجيله لما كان قد خط تلك السطور. و مايجعلني أكثر إستغراباً أن معظم طاقات الأستاذ بسام ضائعة في البحث عن نواقص الديانة الإسلامية و تجاهل الديانة المسيحية أو اليهودية. فيبدأ مقالتة بإتهام الرسول محمد
بالتالي:
”من هذا المنطلق، فإننا عندما نصف محمداً بأنه إرهابيٌّ، ومجرمٌ قاتلٌ متوحشٌ، وسارقٌ، ودجالٌ مخادع، وفاسد منحل أخلاقياً، فكيف نفتري عليه وفي كتبهم ـ لا في كتبنا ـ من اعترافاتٍ، بلسانه وألسنة أصحابه وأهله، ما يكفي لإصدار حكم الإعدام عليه دون حاجة إلى محاكمة؟؟!!" (الإسلام بصريح الكلام)
كنت قد قلت سابقأً أنني لست من المدافعين عن أي من الديانات السماوية، و لكنني عندما قرأت تلك الكلمات قلت لنفسي ألا نستطيع أن نقول نفس الكلام عن معظم الأنبياء و خاصة أنبياء العهد القديم من موسى إلى داود إلى يشوع و غيرهم من أنبياء التوراة؟ فكتاب التثنية المعروف بأحكام موسى مليء بالعنف والحض على الإجرام بطرق لامثل لها، و قد ذكرت بعض الأجزاء من ذلك الكتاب في مقالتي السابقة. ليس فقط كتاب التثنية، فهناك كتاب يشوع وماأدراك ماكتاب يشوع. القارىء به يضيع بين صفحاته الجذابة و كأنه يقرأ ملحمة الإلياد لهومر. فهاهو يشوع يكلم شعب إسرائيل قبيل معركة أريحا:
وَكَانَ فِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ عِنْدَمَا ضَرَبَ الْكَهَنَةُ بِالأَبْوَاقِ أَنَّ يَشُوعَ قَالَ لِلشَّعْبِ: «اهْتِفُوا, لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ الْمَدِينَةَ. فَتَكُونُ الْمَدِينَةُ وَكُلُّ مَا فِيهَا مُحَرَّماً لِلرَّبِّ. رَاحَابُ الزَّانِيَةُ فَقَطْ تَحْيَا هِيَ وَكُلُّ مَنْ مَعَهَا فِي الْبَيْتِ, لأَنَّهَا قَدْ خَبَّأَتِ الْمُرْسَلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَرْسَلْنَاهُمَا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَاحْتَرِزُوا مِنَ الْحَرَامِ لِئَلاَّ تُحَرَّمُوا وَتَأْخُذُوا مِنَ الْحَرَامِ وَتَجْعَلُوا مَحَلَّةَ إِسْرَائِيلَ مُحَرَّمَةً وَتُكَدِّرُوهَا. وَكُلُّ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَآنِيَةِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ تَكُونُ قُدْساً لِلرَّبِّ وَتَدْخُلُ فِي خِزَانَةِ الرَّبِّ». فَهَتَفَ الشَّعْبُ وَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ. وَكَانَ حِينَ سَمِعَ الشَّعْبُ صَوْتَ الْبُوقِ أَنَّ الشَّعْبَ هَتَفَ هُتَافاً عَظِيماً, فَسَقَطَ السُّورُ فِي مَكَانِهِ, وَصَعِدَ الشَّعْبُ إِلَى الْمَدِينَةِ كُلُّ رَجُلٍ مَعَ وَجْهِهِ, وَأَخَذُوا الْمَدِينَةَ. وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ, مِنْ طِفْلٍ وَشَيْخٍ - حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ.
وَقَالَ يَشُوعُ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَجَسَّسَا الأَرْضَ: «ادْخُلاَ بَيْتَ الْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ وَأَخْرِجَا مِنْ هُنَاكَ الْمَرْأَةَ وَكُلَّ مَا لَهَا كَمَا حَلَفْتُمَا لَهَا». فَدَخَلَ الْجَاسُوسَانِ وَأَخْرَجَا رَاحَابَ وَأَبَاهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا وَكُلَّ مَا لَهَا, وَكُلَّ عَشَائِرِهَا وَتَرَكَاهُمْ خَارِجَ مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ.
وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا. إِنَّمَا الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ وَآنِيَةُ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ جَعَلُوهَا فِي خِزَانَةِ بَيْتِ الرَّبِّ. وَاسْتَحْيَا يَشُوعُ رَاحَابَ الزَّانِيَةَ وَبَيْتَ أَبِيهَا وَكُلَّ مَا لَهَا. وَسَكَنَتْ فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ, لأَنَّهَا خَبَّأَتِ الْمُرْسَلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَرْسَلَهُمَا يَشُوعُ لِيَتَجَسَّسَا أَرِيحَا. وَحَلَفَ يَشُوعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَائِلاً: «مَلْعُونٌ قُدَّامَ الرَّبِّ الرَّجُلُ الَّذِي يَقُومُ وَيَبْنِي هَذِهِ الْمَدِينَةَ أَرِيحَا. بِبِكْرِهِ يُؤَسِّسُهَا وَبِصَغِيرِهِ يَنْصِبُ أَبْوَابَهَا».
وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يَشُوعَ, وَكَانَ خَبَرُهُ فِي جَمِيعِ الأَرْضِ." يشوع 6 (17-27)
عزيزي القارىء إذ كنت لاتصدق ماعليك إلا بالرجوع إلى المرجع، فهذا مايردده الأستاذ بسام في كثير من ردوده على رسائل قرائه. لايكفي النبي يشوع و جيش إسرائيل أن يقتلوا كل من كان في أريحا من
رجل و إمرأة و طفل و شيخ بل أخذوا كل مافيها من الفضة و الذهب و النحاس و الحديد لمصلحة خزانة بيت الرب! و أحرقوا البلدة عن بكرة أبيها ومنع أحداً أن يعمرها ثانية. لم أسمع أو أقرأ من مسلم واحد اليوم يدعو النبي يشوع ب"الإرهابي ومجرم قاتل ومتوحش وسارق، و دجال مخادع".
أما من الناحية الأخلاقية فماعلى القارئ إلا أن يفتح إنجيل الملك جيمس و يدخل كتب العهد القديم أيضاً. فالأمثلة لإنحطاط المجتمع والأنبياء لاتعد و لاتحصى، فكلنا على علم بقصة النبي لوط بكتاب التكوين. فبعد أن نجى النبي لوط مع إبنتيه العذارى بمعجزة إلهية من عند ربه و كانت الضحية الوحيدة إمراته،
صعد ليسكن في الجبل من خوفه عليهم و كان التالي:
”وَصَعِدَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي الْجَبَلِ وَابْنَتَاهُ مَعَهُ لانَّهُ خَافَ انْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ فِي الْمَغَارَةِ هُوَ وَابْنَتَاهُ. وَقَالَتِ الْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: «ابُونَا قَدْ شَاخَ وَلَيْسَ فِي الارْضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ الارْضِ. هَلُمَّ نَسْقِي ابَانَا خَمْرا وَنَضْطَجِعُ مَعَهُ فَنُحْيِي مِنْ ابِينَا نَسْلا».
فَسَقَتَا ابَاهُمَا خَمْرا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَدَخَلَتِ الْبِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ ابِيهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلا بِقِيَامِهَا.
وَحَدَثَ فِي الْغَدِ انَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: «انِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ ابِي. نَسْقِيهِ خَمْرا اللَّيْلَةَ ايْضا فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ فَنُحْيِيَ مِنْ ابِينَا نَسْلا».
فَسَقَتَا ابَاهُمَا خَمْرا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ايْضا وَقَامَتِ الصَّغِيرَةُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلا بِقِيَامِهَا فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ ابِيهِمَا. فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْنا وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوابَ» - وَهُوَ ابُو الْمُوابِيِّينَ الَى الْيَوْمِ. وَالصَّغِيرَةُ ايْضا وَلَدَتِ ابْنا وَدَعَتِ اسْمَهُ «بِنْ عَمِّي» - وَهُوَ ابُو بَنِي عَمُّونَ الَى الْيَوْمِ.” التكوين 19(30-38)
عزيزي القارئ ، إذا كنت لاتزال في دهشة من أمرك فمعك حق، نعم تلك هي قصة النبي لوط الذي قدم إبنتاه العذارى لقوم صوغر ليفعلوا بهم مايشاؤا و يتركوا ضيوفه الملائكة بحالهم فلم يرضوا و بعد أن أنجاه ربه من دمار المدينة رأت إبنتاه البكارى أن يضاجعوا والدهم و هو نائم لينجبوا ذرية مباركة جديدة. فماذا تقول لك تلك القصة عن تحقير وضع المرأة بذلك الوقت أو إنحطاط أخلاق زمن النبي لوط؟ و مع كل ذلك لم أسمع أبداً من مسلم واحد يدعو النبي لوط ب"الفاسد و منحل أخلاقياً"
كنت قد ناقشت موضوع قراءة الكتب السماوية سابقاً بطريقة جديدة، بعيدة عن التفسير الحرفي و موضوعة في زمانها و مكانها. لانستطيع أن نقيس مجتمعات تاريخية بمعايير اليوم الأخلاقية.
فهذة المعايير الأخلاقية تتغير مع الزمن فما كان البارحة من الشائع و المسموح به أخلاقياً إنما اليوم من غير الممكن أن يكون طبيعياً. من أكبر الأمثلة على ذلك هو تجارة الرق و العبودية.
مع ذلك نسمع أكثر الإتهامات ضد النبي محمد المترددة عالمياً وعلى موقع الناقد خاصة أنه تزوج طفلة (عائشة) عمرها لا يناهض العاشرة. ولكن قلما نسمع أولئك النقاد يذكرون تاريخ تلك الزواج في نفس الجملة!
فاليوم إن قصصت عليكم قصة أيضاً من أحد كتب الإنجيل من العهد القديم، فلابد من كل إنسان عاقل أن يفتح بفمه مذهلاً بما فيها فظائع ضد المرأة خاصة و الإنسانية عامة. لنأخذ هذه القصة من كتاب القضاة التي من مقصدها و مغزاها تشجيع الإنسان على حماية الضيف مهما كلف الأمر و لكن مايحدث للإمرأة المرافقة له لامثيل له في كتب اليوم:
" فَقَالَ الرَّجُلُ الشَّيْخُ السَّلاَمُ لَكَ. إِنَّمَا كُلُّ احْتِيَاجِكَ عَلَيَّ وَلَكِنْ لاَ تَبِتْ فِي السَّاحَةِ.
وَجَاءَ بِهِ إِلَى بَيْتِهِ وَعَلَفَ حَمِيرَهُمْ فَغَسَلُوا أَرْجُلَهُمْ وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا. وَفِيمَا هُمْ يُطَيِّبُونَ قُلُوبَهُمْ إِذَا بِرِجَالِ الْمَدِينَةِ رِجَالَ بَلِيَّعَال أَحَاطُوا بِالْبَيْتِ قَارِعِينَ الْبَابَ وَكَلَّمُوا الرَّجُلَ صَاحِبَ الْبَيْتِ الشَيْخَ قَائِلِينَ أَخْرِجِ الرَّجُلَ الَّذِي دَخَلَ بَيْتَكَ فًَنَعْرِفُهُ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِمِ الرَّجُلُ صَاحِبُ الْبِيْتِ وَقَالَ لَهُمْ لاَ يَا إِخْوَتِي لاَ تَفْعَلُوا شَرّاً. بَعْدَمَا دَخَلَ هذَا الرَّجُلُ بَيْتِي لاَ تَفْعَلُوا هذِهِ الْقَبَاحَةَ. هُوَذَا ابْنَتِي الْعَذْرَاءُ وَسُرِّيَّتُهُ دَعُونِي أُخْرِجْهُمَا فَأَذِلُّوهُمَا وَافْعَلُوا بِهِمَا مَا يَحْسُنُ فِي أَعْيُنِكُمْ وَأَمَّا هذَا الرَّجُلُ فَلاَ تَعْمَلُوا بِهِ هذَا الأَمْرَ الْقَبِيحَ. فَلَمْ يُرِدِ الرِّجَالُ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ. فَأَمْسَكَ الرَّجُلُ سُرِّيَّتَهُ وَأَخْرَجَهَا إِلَيْهِمْ خَارِجاً فَعَرَفُوهَا وَتَعَلَّلُوا بِهَا الْلَّيْلَ كُلَّهُ إِلَى الصَّبَاحِ وَعِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَطْلَقُوهَا.
فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ عِنْدَ إِقْبَالِ الصَّبَاحِ وَسَقَطَتْ عِنْدَ بَابِ بَيْتِ الرَّجُلِ حَيْثُ سَيِّدُهَا هُنَاكَ إِلَى الْضَوْءِ.
فَقَامَ سَيِّدُهَا فِي الصَّبَاحِ وَفَتَحَ أَبْوَابَ الْبَيْتِ وَخَرَجَ لِلذَّهَابِ فِي طَرِيقِهِ وَإِذَا بِالْمَرْأَةِ سُرِّيَّتَهُ سَاقِطَةٌ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ وَيَدَاهَا عَلَى الْعَتَبَةِ. فَقَالَ لَهَا قُومِي نَذْهَبْ. فَلَمْ يَكُنْ مُجِيبٌ. فَأَخَذَهَا عَلَى الْحِمَارِ وَقَامَ الرَّجُلُ وَذَهَبَ إِلَى مَكَانِهِ.
وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَأَخَذَ الْسِكَِينَ وَأَمْسَكَ سُرِّيَّتَهُ وَقَطَّعَهَا مَعَ عِظَامِهَا إِلَى اثْنَتَيْ عَشَْرَةَ قِطْعَةً وَأَرْسَلَهَا إِلَى جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ.
وَكُلُّ مَنْ رَأَى قَالَ لَمْ يُرَ مِثْلُ هذَا مِنْ يَوْمِ صُعُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. تَبَصَّرُوا فِيهِ وَتَشَاوَرُوا وَتَكَلَّمُوا. الأَصحَاحُ الْعِشْرُونَ " القضاة 19 (20-30)
ياسلام! هذه هي أخلاقيات العهد القديم. بعد أن أعطى إمرأته لقوم المدينة ليفتعلوا بها طوال الليل وهو نائم بمنزل الشيخ، قام في الصباح ليجدها ميتة، فأخذها لبيته و قطعها بالسكين لإثنا عشر قطعة و فرق قطع جسدها بأنحاء إسرائيل. هل من عاقل اليوم يأخذ أولاده كل يوم أحد إلى الكنيسة ليسمعوا من أمثال هذه القصة؟
من الشيء الجدير بالذكر هنا أن هذه القصة تشابه قصة النبي لوط و لكنها جائت في غير كتاب و غير زمان مما يجعل القارئ بأن يتأمل بتلك المصادر لمثل هذه الكتب التي تدعى بالكتب السماوية!
نعم إذا كنت ماتزال تفكر بتفاصيل هذه القصة فما عليك إلا بقراءة كتاب القضاة بكامله فهو من أمتع الأمور.
فأين هم من يكذبون الإسلام و يشتموا نبيه؟ لماذا لاأسمع صريخهم بأعلى أصواتهم ليلقون إتهاماتهم على الإنجيل بأنه كتاب دجل و كذب و جرائم ضد الإنسانية و إنحطاط أخلاقي؟
دعوني أقولها مرة أخرى، أنا لست من مدافع على الدين الإسلامي، فهناك بالقرأن و الحديث من العجائب و الغرائب ليجعل الشعرعلى رأس كل عاقل ينتصب إنتصابا.
صحيح أن الدين الإسلامي اليوم بمحنة مع الغرب. فلابد من علماء الدين الإسلامي أن يصحوا من غفوتهم الرجعية لينهضوا المدنية و التحضر في هذا الدين كما إستطاعت المسيحية و اليهودية بذلك.
ولكن ليس من العدل أو المصداقية أن نهاجم أحد من هذه الأديان على حساب الأخر.
عدم الإعتراف بهذا من قبل الأستاذ بسام درويش ينقص من مصداقية موقع الناقد ويبعد قرائه عنه. و لكنني هنا لاأرغب أن أوزع النصيحة على الأستاذ بسام فهو حر بما أراد أن يكتب و ينشر على موقعه. فقط أردت القول أن محاولتي كانت تبغي رفع المستوى في الحديث عن الإسلام إلى الأكاديمية العلمية في النقد والإبتعاد عن الإبتذال و التحقير في هذه الديانة لعل الحديث ينفع على المستوى الإجتماعي و يشوق القراء و يكثر من إشتراكهم به.
تعليقات