غزة... والعدوان... وآلام العرب والمسلمين

العبارة الشهيرة التي أطلقها جورج دانتون (ليكن الإرهاب النظام الحاكم اليوم) إبان إستلام "جمعية الأمن الشعبية" زمام أمور الثورة الفرنسية والذي كان هو نفسه عضواً بارزاً فيها، تحكم الشرق الأوسط وكل شؤونه السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية اليوم. ومايحصل في غزة اليوم ماهو إلا نتيجة هذه المحصلة الفكرية والأيديولوجية التي أصبحت حضارة الموت وإلغاء الطرف الأخر جزءً لايتجزأ منها.
الجدير بالذكر أنه عندما أراد دانتون أن يوقف سفك الدماء والإرهاب الذي رأى أنه أستفحل لدرجة الفتك بأبناء الثورة نفسها وخطف فكر الثورة الفرنسية التي قلبت موازين الحكم في أوربا والعالم في أواخر القرن الثامن عشر، ماكان من نصيبه إلا المقصلة التي أودت برأسه في نفس السلة التي حملت رأس الملك الفرنسي لويس السادس عشر.
هكذا يدور الشرق الأوسط اليوم في دوامة العنف المتبادل التي تفتك بأرواح أبناء غزة والضفة والوطن العربي بأجمعه، والذي يوجهه أصحاب العمامات السوداء في طهران عبر عملائهم في الوطن العربي الذين يظنون أنهم يدافعون عن أرضهم وشعبهم ويؤدون الواجب الديني والعقائدي لكل عربي ومسلم على وجه الأرض.
حضارة الموت أصبحت تجارة الخطباء السياسيين والقادة الأشاوس في حزب الله وحماس أمام كاميرات الفضائيات العربية التي ترى فيهم وفي خطاباتهم ماتنشده في سباق الشاشة العربية لإستقطاب المشاهد العربي لحثه على تهميش أنظمته وإمتصاص غضبه وإستفزاز مشاعره وسخطه وتوجيهها نحو عنف جديد وكره أعمى يحقن قلوب الجماهير العربية التي لاحول لها ولاقوة إلا أن تقول "حسبي الله ونعم الوكيل".
قادة المقاومة والممانعة والصمود والتصدي اليوم في العالم العربي وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله وخالد مشعل الذين تأخذهم النشوة في خطاباتهم السياسية المتلفزة ويتباهون في صواريخهم البائسة ويتاجرون بأرواح أتباعهم المخلصين، يعرفون تماماً أنهم أصبحوا اليوم أدوات لتصدير الثورة الفارسية في المنطقة، ويركبون موجة الغضب العربي والعقم الفكري للعالم العربي والإسلامي تجاه عدو مسعور يفوق في إمكانياته العسكرية والفكرية العالم العربي وأنظمته مجتمعة.
المعادلة التي تحكم الوطن العربي اليوم أصبحت في خطر من أن تأكل نفسها كما أكلت الثورة الفرنسية أبناءها وأودت بثلث سكان فرنسا أنذاك إلى حتفهم. فالمواطن العربي يرضخ اليوم تحت نارين، نار تفتك في حريته تحت أنظمة فاسدة وديكتاتورية وثيوقراطية، وأخرى تفتك في عقله بوعود أمة إسلامية تعيد له كرامته وعزة نفسه.
الشعوب العربية اليوم على مفترق طرق يجبرها على خيار ماهو أفضل لها ولأجيالها القادمة، فإما أن تسلك طريق التنوير والتنمية الفكرية والعقائدية، وإما أن تتبع قادة الخطابات والشعارات الحماسية والغوغائية. الخيار أمامها واضح ومفروض عليها، فالتضحية كانت واجب على كل الشعوب التي صنعت مستقبلها وحصلت على حقها في تقرير مصيرها.
الصراع الفكري الذي يعبرعن نفسه اليوم في شوارع العواصم العربية من خلال المظاهرات الشعبية للمواطن العربي المنددة بالعدوان على غزة، والتي تستغل إسرائيل نتاجه الواقعي المتسم بالعقم العملي والفعلي لإجتماع وزراء الخارجية العرب وحكوماتهم لإستمرارعدوانها الوحشي على المدنيين في القطاع المأساوي الذي يئن بجروحه تحت حصارهمجي كامل يمنع حتى دخول المساعدات الإنسانية، ماهو إلا صراع وجودي للعالم العربي والإسلامي ومكانته اليوم في هذا العالم المعاصر.
ستبقى إسرائيل في خانة الحداثة والعالم المتحضر والضحية ويبقى العالم العربي والإسلامي وشعوبه في عصر الظلام والرجعية والوصاية مالم تقوم هذه الشعوب على مواجهة تحديات العصر ورفض الذل والقمع والخنوع أمام السلطوية والشمولية والديكتاتورية والإرهاب الفكري والعقائدي. وسيبقى دم الإنسان العربي والمسلم أرخص من الدم الغربي أو الإسرائيلي طالما هناك قادة مقاومة تبيع الشهادة والجهاد وتَدّعي أن الله يقف في صفها وأرواح المدنيين والأبرياء من شعوبها مثواهم الجنة في الحياة الأخرة.
عندما أودى روبيسبيير بصديقه دانتون ومجموعته الثورية من الجيروردين إلى المقصلة، وقبل أن ينفذ حكم الإعدام بدانتون نطق بهذه الكلمات الأخيرة، "ليس لي شئ أندم عليه إلا أنني سأذهب لألقى حتفي قبل أن أرى ذلك الفأر الخسيس روبيسبيير يذهب قبلي". سيأتي اليوم الذي نسمع فيه هذه الكلمات من قادة المقاومة والممانعة عندما تقوم شعوب العالم العربي والإسلامي على إتخاذ زمام أمورها وحقها في تقرير مصيرها، ولكن حتى ذلك الحين سيدفع أبناء غزة والضفة والوطن العربي بأكمله ثمن هذا الإنتظار بالأرواح والدماء البريئة طالما السفهاء منا قوامون علينا، وقد جاء في الحديث النبوي "وكما تكونوا يولى عليكم".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الديمقراطية بين براثن الديبلوماسية العربية والسلطوية

Syria enters into the Islamic Resistance Den

قراءة موضوعية لموقع الناقد