في يوم قسيس السلام والمساواة مارتين لوثر كينغ

قوى الرجعية والظلامية في الوطن العربي اليوم تتوج إنتصارها بقمة الكويت الإقتصادية العربية التي أصبحت المآوى الأخير لها لإستبذاذ الدول العربية للمزيد من الدعم المالي الذي يذهب أكثر من نصفه سرقة ونهب والنصف الأخر نحو بناء قدرات مليشيات الحرب والدمار في الشرق الأوسط
.
فقد صرح العاهل السعودي الملك عبد الله بدفع بليون دولار لإعادة إعمار غزة بعد أن دمرت أسرائيل بنيتها التحتية وحرقت الأبرياء والأرض والشجر. ويظهر رئيس الحكومة الفلسطينة المقالة وزعيم حركة حماس على فضائية المقاومة الفلسطينية "الأقصى" ليطلق عبارته الشهيرة بأن "النصر الإلهي" قد تحقق ويهدد أنه "لو أبدتم غزة ولن تستطيعوا فسوف تبقى غزة في قلوب الملايين من أبناء هذه الأمة"، ويذكر أن حماس لايهمها الحياة فيقول "نحن لسنا طلاب دنيا بل نزرع للأخرة"، ويضيف في كلمة أخرى قبل العدوان أن حكومته المقالة
"تستمد قوتها من الله الواحد القهار" وهنا تكمن المعضلة ويسكن فيها لب القصيد.
المقولة الشهيرة "رحم الله أمرء عرف حده فوقف عنده" ليس لها مكان في قاموس حماس أو حزب الله، فهم أبناء ثورة إلهية هدفها جنات
الخلد والنعيم الذي وعد الله بها المؤمنون
.
فبدل أن تجتمع الحكومات العربية لكبح جماح ميليشيات الحرب والدمار، نرى إستعراض للخطابات العربية المغطسة بالعسل الشهد التي تدعو للحمة العربية والتضامن الأخوي وإستنكار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني و"دعم المقاومة الفلسطينية بدون تشكيك" كما جاء على لسان الرئيس السوري بشار الأسد، والحث على تشكيل حكومة فلسطينية موحدة لإنهاء العدوان والإحتلال الإسرائيلي على الأراضي العربية
.
يتكرر هذا المشهد منذ حرب 1956 في عواصم العرب مشتركة وتتبادل الدول العربية دورها في المزايدة والمناقصة على القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي ولاننسى الصورة التذكارية، ومن بعدها يذهب الرؤساء والملوك عائدون أدراجهم ألى عواصمهم لينتظروا جولة أخرى من العدوان الإسرائيلي على أراضيهم ليعيدوا الكرة من جديد ويدعوا إلى أنعقاد قمة أخرى
.
يسجل التاريخ اليوم الحرب السادسة في الصراع العربي الإسرائيلي، لتتوج أخرها بدمار غزة وذهاب أكثر من خمسة ألاف من الضحايا والجرحى نصفهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ولاتزال شعارات المقاومة والممانعة تبيع دماء الأبرياء بأرخص ثمن وتشتري المزيد منها بالملايين من الدولارات، لتعود مرة أخرى لتخلق حرباً جديدة وهزيمة أخرى
.
إذا لم تستطع حكومات الدول العربية أن تواجه نفسها في موقف حازم وصريح وشفاف تجاه خيار الحرب أو السلام فليس لها من المقدرة أو القدرة على حل الصراع العربي الإسرائيلي وفي مقدمته القضية الفلسطينية. فالإغداق بأموال بعد أخرى على دول المواجهة لايبدد العقم العربي العملي التي واجهته المبادرة العربية للسلام منذ إطلاقها. ليس من المستغرب اليوم أن نسمع من بعض الأطراف العربية من يدعي بموت تلك المبادرة وإنقسام الصف العربي اليوم يحمل طيات هذا الشرخ الفكري في جوهره
.
هنا يكمن دور الميليشيات الحربية الخارجة عن سيطرة الدول العربية والممولة والمدعومة من أقطارأجنبية وعربية تراهن عليها لمصالح خاصة تتضارب مع سياق التسوية السلمية بين إسرائيل والعرب وتهدد الأمن والسلام للمنطقة بأجمعها. فبدل أن يشن العرب غضبهم على إسرائيل وماتفعله بأبناء الشعب الفلسطيني والعربي، ألم يحن الوقت لهم لأن يتخذوا قراراً فاعلاً بدعم خطاب السلام والتسوية وإيقاف شعارات المقاومة والممانعة والإصرارعلى مواجهة حماس وحزب الله لترك السلاح والإنطواء تحت وطنية بلادهم وحكوماتها الشرعية؟
لقد حان الوقت لأن يقف زعماء العرب وقفة الشجعان ويصارحوا شعوبهم العربية أنهم ليسوا على القدرة أو حتى الرغبة على مواجهة الغول العسكري الإسرائيلي، وأن السلام والتسوية هو في مصلحة شعوبهم ودولهم والإلتفات إلى التنمية والبناء والمعرفة والعلم الذي يشكل في النهاية الإنتصار الوحيد الذي سيحققه الشعب العربي والإسلامي على عدو نفسه اللدود المتجسد في أنتشار الجهل والخرافة والتخلف في مجتمعاتهم
.
عشية إستلام الرئيس الأمريكي باراك أوباما منصبه الجديد نراه يقف في وسط العاصمة الأمريكية واشنطن على نفس المنصة التي وقف عليها القسيس الأمريكي الأسود مارتين لوثر كينغ قائد حركة الحقوق المدنية التي أتسمت باللاعنف والتي أوصلت أوباما ألى تلك المنصة اليوم ليلقي خطابه ويجدد الأمل والحلم للشعب الأمريكي. لابد أن نسأل أنفسنا نحن العرب مرة أخرى اليوم عما قاله ذلك القسيس الأمريكي الأسود في خطابه الشهير لتحقيق المساواة بين العرق الأسود والأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن، بأن "الكره يولد الكره، العنف يولد العنف، والقسوة تولد قسوة أكبر".
كلمات القسيس مارتين لوثر كينغ اليوم أصبحت حقيقة والقوى الرجعية والظلامية ونظام التمييز العنصري الذي كان يحكم الولايات المتحدة منذ زمن قصير ذهب ولن يعد، ونحن لازلنا ننتظر اليوم الذي يقف رؤسائنا وملوكنا وقياداتنا السياسية في قممهم العربية ليقدموا لنا ماقدمه قسيس السلام والمساواة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الديمقراطية بين براثن الديبلوماسية العربية والسلطوية

Syria enters into the Islamic Resistance Den

قراءة موضوعية لموقع الناقد