سوريا الأسد... ممانعة أم مصافحة!!! (2)
في محاضرة أجراها معهد الشرق الأوسط في واشنطن السنة الماضية، وبعد أن إتضح أن المحادثات الإسرائيلية السورية السرية التي جرت بين العامين 2004-2006 لم تثمر في الوصول إلى معاهدة صلح بين البلدين، تحدث المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية ألون ليأل و ألقى الضوء عما كان يجري وراء الستار خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006 . ماتفوه به السيد ليأل يضع النقاط على الحروف في الموقف الحقيقي للنظام السوري تجاه حليفه المقاوم في لبنان حزب الله. قال السيد ليأل أنه "خلال اليوم الحادي عشر من الحرب على لبنان وصلتنا رسالة من الطرف السوري أنهم يريدون الحديث عن السيطرة على حزب الله ويطلبون لقاء في مدينة برن السويسرية. عندما سألنا وزارة الخارجية الإسرائيلية، رفضت العرض لإعتقادهم أن الجانب الأمريكي سيعارض ذلك"!
ممانعة!!! في قاموس النظام، أصبحت الممانعة تعني بيع الحلفاء في لحظة من الإنتهازية والعهر السياسي لضمان صفقة بينهم وبين العدو الإسرائيلي. الرئيس الوارث، صاحب المبادىء والحقوق العربية، ملك الصمود والتصدي والقومية، لا يجد في التخلي عن حلفائه في لبنان في سبيل ضمان إستمرارية نظامه والوصول إلى العلاقات المنشودة مع العدو الغربي صاحب المشروع الأمريكي أي تعارض في سياسة الممانعة السورية. سوريا الوطن، رمز الفكر القومي العربي والشريك الدائم في كل وحدة عربية حصلت منذ عهد الإستقلال إلى اليوم جاهزة لأن تتخلى عن أخر قلاع الصمود والمقاومة لعدوها الإسرائيلي، إذا كان ذلك يؤدي إلى فتح الطريق للبيت الأبيض.
وبعد أن صرح المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية هذا التصريح الخطير في سياق حديثه في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، ألقى الضوء على النوايا الحقيقة للنظام السوري فقال " سوريا تقامر في علاقاتها الإستراتيجة مع إيران إذا تحركت للتفاوض مع إسرائيل بدون ضمانات من الولايات المتحدة لتعويضها لتلك العلاقات الإيرانية". إنطباع السيد ليأل لم يأت من مجرد تنظير في موقف القيادة السورية، فبعد إجتماعات سرية ولقائات متعددة في الخفاء مع نظيره السوري إبراهيم سليمان كان قد وصل لقناعة كاملة عن رغبة الرئيس السوري في فتح الباب مع واشنطن.
في لقاء لمؤتمر "تجديد الفكر القومي والمصير العربي" في دمشق في الشهر الماضي، صرح الرئيس بشار الأسد مايلي "في سوريا، لانرى بديلاً من الخيار القومي، لأن البديل الذي يريده الإستعمار هو الفتنة المذهبية كما يجري في العراق، وهو يدمر، وسوريا محمية من تلقاء نفسها لأن هناك تطابقاً في الموقف من المسألة القومية بين السلطة والشعب". لابد هنا من السؤال، هل كان الشعب على علم بما يجري خلف الستار في برن في سويسرا؟ وهل كان الشعب على علم بما كانت تطرحه سوريا و تقدمه عرباناً لإعادة الجولان الخصيب؟
في ندوة خاصة أجرتها المعارضة السورية في الكونغرس الأمريكي في الشهر الماضي، وفي حديث جانبي مع أحد أصدقائي المناضلين في مجال حقوق الإنسان في سوريا، أخبرني أنه في سياق حديثه الجاري عن سوريا في أحد الندوات التي حضرها في واشنطن، حدثه أحد الأعضاء في اللوبي الإسرائيلي (AIPAC)، أن اللوبي "لايريد أن يطرح بنظام بشار الأسد، فنحن من المؤيدين لهذا النظام، ولولا تعنت إدارة الرئيس جورج بوش، لكُنا عقدنا صفقة سلام مع بشار في خلال بضعة أشهر"!. هناك قول أمريكي فحواه:
"With friends like these who needs enemies?" مامعناه في العربي
"إذا كان لك أصدقاء بهذا الشكل، فلاخوف عليك من أعدائك".
إكتسب بشار الأسد، منذ تسلمه السلطة في المهزلة البرلمانية التي عدّْلتْ الدستور السوري ليلائم عمر الوارث الشاب في جلسة كانت مدتها أقل من نصف ساعة، مصداقية عند عدوه اللدود الذي ينادي لمواجهته بسياسة "الممانعة" و "الخيار السلمي الإستراتيجي" أكثر من مصداقية الشعب السوري له. فكيف نفسر قول حلفاؤه الجدد في واشنطن؟ وكيف أصبح ذلك اللوبي الإسرائيلي، المعروف عن نزاهته وقدرته على بيع مايخطط لمصلحة إسرائيل للشعب الأمريكي بمصداقية تفوق مصداقية أي منظمة أو لوبي أخر في واشنطن، صديق بشار الأسد وحامي نظامه في المنطقة؟ هل من الممكن التصور أن الرئيس الوارث ساذج لهذه الدرجة عندما يخاطب جمهوره المثقف في مؤتمر "تجديد الفكر القومي والمصير العربي" قائلاً:
"لقد عرض الإسرائيليون علينا مفاوضات سرية، ونحن رفضنا الأمر، ولن نقبل بأي نوع من التفاوض السري، ليس لدينا مانخفيه عن شعبنا. ولن نتنازل عن ثوابتنا"!.
"الممانعة" التي يروجها النظام السوري ماهي إلا سراب في صحراء الخداع والكذب على الشعب السوري منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن . "الممانعة" التي يلبسها النظام السوري لكسب عواطف الجماهير الغاضبة والمضطهدة ماهي إلا شعار أخر لإمتصاص ذلك الغضب. "الممانعة" التي يمارسها النظام ماهي إلا ممانعة ضد حرية الكلمة والتعبير ضد الشعب السوري. تلك الممانعة التي أودت بالبرفسور عارف دليلة، و الدكتورة فداء الحوراني، والدكتور أحمد طعمة، وأكرم البني، وعلي العبد الله، وميشيل كيلو وأخرين من معتقلي الرأي والضمير إلى سجون النظام.
منذ أكثر من ثمان وعشرون عاماً، خرجت من دمشق وتركت فيها قلبي، راجياً من الله أن أعود يوماً ما إلى وطني لأجده حراً أمناً يحمي أبناء الوطن ويحترم كرامة المواطن ويعيد له حقوقه الدستورية في التعبير عن رغباته في العيش الكريم والمشاركة الحقيقة في الحياة السياسية. ولكنني لم أجد بعد أكثر من ربع قرن في الغربة إلا حاكم يختطف دولة بأكملها و يمارس إنتهاكاته لسيادة القانون والدولة تحت ذريعة "حكم الطوارىء" ومحاكم أمن الدولة، ويدَعيْ بأن "الممانعة" و " خيار السلام الإستراتيجي" هو الضمانة الوحيدة لأمن وسلامة الدولة والشعب، وبنفس الوقت يمد يده الأخرى خلف الستار للمصافحة مع العدو الإسرائيلي مساوماً على كل مبادىء الفكر العربي القومي والحقوق للمواطن السوري لإسترداد ماأغتصبه العدو بالنار والحديد. إذا كانت "الممانعة" في قاموس النظام السوري تعني الخنوع والذل للعدو المغتصب لإرجاع الأراضي المحتلة في الجولان الخصيب، فلنرجو من الله أن يكفينا شر "المصافحة".
ممانعة!!! في قاموس النظام، أصبحت الممانعة تعني بيع الحلفاء في لحظة من الإنتهازية والعهر السياسي لضمان صفقة بينهم وبين العدو الإسرائيلي. الرئيس الوارث، صاحب المبادىء والحقوق العربية، ملك الصمود والتصدي والقومية، لا يجد في التخلي عن حلفائه في لبنان في سبيل ضمان إستمرارية نظامه والوصول إلى العلاقات المنشودة مع العدو الغربي صاحب المشروع الأمريكي أي تعارض في سياسة الممانعة السورية. سوريا الوطن، رمز الفكر القومي العربي والشريك الدائم في كل وحدة عربية حصلت منذ عهد الإستقلال إلى اليوم جاهزة لأن تتخلى عن أخر قلاع الصمود والمقاومة لعدوها الإسرائيلي، إذا كان ذلك يؤدي إلى فتح الطريق للبيت الأبيض.
وبعد أن صرح المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية هذا التصريح الخطير في سياق حديثه في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، ألقى الضوء على النوايا الحقيقة للنظام السوري فقال " سوريا تقامر في علاقاتها الإستراتيجة مع إيران إذا تحركت للتفاوض مع إسرائيل بدون ضمانات من الولايات المتحدة لتعويضها لتلك العلاقات الإيرانية". إنطباع السيد ليأل لم يأت من مجرد تنظير في موقف القيادة السورية، فبعد إجتماعات سرية ولقائات متعددة في الخفاء مع نظيره السوري إبراهيم سليمان كان قد وصل لقناعة كاملة عن رغبة الرئيس السوري في فتح الباب مع واشنطن.
في لقاء لمؤتمر "تجديد الفكر القومي والمصير العربي" في دمشق في الشهر الماضي، صرح الرئيس بشار الأسد مايلي "في سوريا، لانرى بديلاً من الخيار القومي، لأن البديل الذي يريده الإستعمار هو الفتنة المذهبية كما يجري في العراق، وهو يدمر، وسوريا محمية من تلقاء نفسها لأن هناك تطابقاً في الموقف من المسألة القومية بين السلطة والشعب". لابد هنا من السؤال، هل كان الشعب على علم بما يجري خلف الستار في برن في سويسرا؟ وهل كان الشعب على علم بما كانت تطرحه سوريا و تقدمه عرباناً لإعادة الجولان الخصيب؟
في ندوة خاصة أجرتها المعارضة السورية في الكونغرس الأمريكي في الشهر الماضي، وفي حديث جانبي مع أحد أصدقائي المناضلين في مجال حقوق الإنسان في سوريا، أخبرني أنه في سياق حديثه الجاري عن سوريا في أحد الندوات التي حضرها في واشنطن، حدثه أحد الأعضاء في اللوبي الإسرائيلي (AIPAC)، أن اللوبي "لايريد أن يطرح بنظام بشار الأسد، فنحن من المؤيدين لهذا النظام، ولولا تعنت إدارة الرئيس جورج بوش، لكُنا عقدنا صفقة سلام مع بشار في خلال بضعة أشهر"!. هناك قول أمريكي فحواه:
"With friends like these who needs enemies?" مامعناه في العربي
"إذا كان لك أصدقاء بهذا الشكل، فلاخوف عليك من أعدائك".
إكتسب بشار الأسد، منذ تسلمه السلطة في المهزلة البرلمانية التي عدّْلتْ الدستور السوري ليلائم عمر الوارث الشاب في جلسة كانت مدتها أقل من نصف ساعة، مصداقية عند عدوه اللدود الذي ينادي لمواجهته بسياسة "الممانعة" و "الخيار السلمي الإستراتيجي" أكثر من مصداقية الشعب السوري له. فكيف نفسر قول حلفاؤه الجدد في واشنطن؟ وكيف أصبح ذلك اللوبي الإسرائيلي، المعروف عن نزاهته وقدرته على بيع مايخطط لمصلحة إسرائيل للشعب الأمريكي بمصداقية تفوق مصداقية أي منظمة أو لوبي أخر في واشنطن، صديق بشار الأسد وحامي نظامه في المنطقة؟ هل من الممكن التصور أن الرئيس الوارث ساذج لهذه الدرجة عندما يخاطب جمهوره المثقف في مؤتمر "تجديد الفكر القومي والمصير العربي" قائلاً:
"لقد عرض الإسرائيليون علينا مفاوضات سرية، ونحن رفضنا الأمر، ولن نقبل بأي نوع من التفاوض السري، ليس لدينا مانخفيه عن شعبنا. ولن نتنازل عن ثوابتنا"!.
"الممانعة" التي يروجها النظام السوري ماهي إلا سراب في صحراء الخداع والكذب على الشعب السوري منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن . "الممانعة" التي يلبسها النظام السوري لكسب عواطف الجماهير الغاضبة والمضطهدة ماهي إلا شعار أخر لإمتصاص ذلك الغضب. "الممانعة" التي يمارسها النظام ماهي إلا ممانعة ضد حرية الكلمة والتعبير ضد الشعب السوري. تلك الممانعة التي أودت بالبرفسور عارف دليلة، و الدكتورة فداء الحوراني، والدكتور أحمد طعمة، وأكرم البني، وعلي العبد الله، وميشيل كيلو وأخرين من معتقلي الرأي والضمير إلى سجون النظام.
منذ أكثر من ثمان وعشرون عاماً، خرجت من دمشق وتركت فيها قلبي، راجياً من الله أن أعود يوماً ما إلى وطني لأجده حراً أمناً يحمي أبناء الوطن ويحترم كرامة المواطن ويعيد له حقوقه الدستورية في التعبير عن رغباته في العيش الكريم والمشاركة الحقيقة في الحياة السياسية. ولكنني لم أجد بعد أكثر من ربع قرن في الغربة إلا حاكم يختطف دولة بأكملها و يمارس إنتهاكاته لسيادة القانون والدولة تحت ذريعة "حكم الطوارىء" ومحاكم أمن الدولة، ويدَعيْ بأن "الممانعة" و " خيار السلام الإستراتيجي" هو الضمانة الوحيدة لأمن وسلامة الدولة والشعب، وبنفس الوقت يمد يده الأخرى خلف الستار للمصافحة مع العدو الإسرائيلي مساوماً على كل مبادىء الفكر العربي القومي والحقوق للمواطن السوري لإسترداد ماأغتصبه العدو بالنار والحديد. إذا كانت "الممانعة" في قاموس النظام السوري تعني الخنوع والذل للعدو المغتصب لإرجاع الأراضي المحتلة في الجولان الخصيب، فلنرجو من الله أن يكفينا شر "المصافحة".
تعليقات