بيان إنسحاب من جبهة الخلاص الوطني في سوريا وحزب الإنفتاح

كنت متفائلاً في عام 2006 على أن المعارضة السورية قد وصلت مرحلة النضوج المثمر من خلال تشكيل أول إئتلاف واسع يتضمن تيارات سياسية متكاملة في جبهة الخلاص الوطني في سوريا. وكنت أكثر تفائلاً أن حزب الأنفتاح الذي كنت من الأعضاء المؤسسين فيه كان على وشك العمل الجاد في تفعيل العمل المعارض لسياسة النظام السوري الحالي بقيادة الرئيس بشار الأسد. وقد دخلت العمل السياسي المنظم وكرست معظم وقتي وجهدي لبناء جسور تفاهم بين أبناء الجالية السورية في الخارج لإعادة الحياة السياسية للمواطن السوري وحثه على المشاركة في تقرير مصيره ومصير أبنائه في الوطن
.
ومنذ أكثر من ثلاث سنوات وأنا أسعى ألى إيجاد نواة حقيقية من المواطنين السوريين تعمل لبناء وطن يخلو من الفكر الشمولي والإستبدادي والقمعي ويرنو لدولة المؤسسات والقضاء المستقل، ولكن لم أكن أتصور أن عامل الخوف والرهبة عند المواطن السوري من أجهزة الأمن السورية يفوق مايتصوره العقل، حتى أنه أمتد عبر القارات والبحار ليطول أبناء الجالية السورية في الخارج ويمنعهم عن الإشتراك في هذا العمل النبيل
.
هذا لايعني أنني تخليت اليوم عن المبادئ والقيم التي أوصلتني للعمل الجاد والفعلي في صفوف المعارضة السورية، فأنا لازلت على أيمان كامل أن على الحكومة السورية الحالية أتخاذ الخطوات السريعة وتلبية المطالب الأساسية للمعارضة السورية لإنقاذ البلد اليوم من التطرف والإحتقان وتمزق الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب السوري وذلك عبر رفع حالة الطوارئ التي تحكم البلاد وإلغاء المحاكم العرفية والإستثنائية الصادرة عن محكمة أمن الدولة، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور الحالي التي صادرت الحياة السياسية ووضعتها في حزب واحد قائد "السلطة والمجتمع"، وإطلاق سراح جميع المساجين السياسيين، وسنّ قانون أحزاب جديد يفتح باب التعددية السياسية، وإطلاق الحريات الشخصية والعامة بما فيهم حرية الرأي والتعبير
.
ولكنني أرى أن ذلك لايمكن إلا بالمشاركة الفعّالة للمواطن السوري في الداخل والخارج لحثّ الحكومة الحالية على تبني تلك المطالب التي أصبحت ضرورة ملحة لحفظ سلامة وأمن سوريا من المخاطر المحدقة بها اليوم وفي المستقبل. وبما أنني رأيت وللأسف الشديد أن الأغلبية الكبرى من المواطنين السوريين يؤمنون أن هذه المطالب لاتشكل في ضرورتها اليوم الأولوية بالنسبة لهم وأن المواطن السوري على إستعداد للتضحية بقضايا الحريات الشخصية والعامة في سبيل الحفاظ على الأمن والسلام والسعي وراء لقمة العيش، فأنني اليوم أرى أن الواجب يتطلب مني أن أتيح الفرصة لنفسي لأن أسمع صوت هذه الأغلبية في داخل القطر وخارجه التي ترى أن أمن وأستقرار سوريا هو فوق كل شيء ولاتريد أن تدخل في عراك سياسي أو أيديولوجي لايمكن لأحد أن يتنبأ بنتائجه وعواقبه
.
لقد علمتني تجربة العمل السياسي في غضون السنين الثلاثة السابقة أن التغيير و الإصلاح السياسي في سوريا لن يأتي على أيدي خارجية أو أحزاب وجماعات معارضة تعمل في مقاهي وفنادق عواصم غربية وأقليمية وعبر مواقع أخبارية ألكترونية، وأنا على إيمان كامل اليوم وكما كنت من قبل، أن أي تعامل مع أي جهة أجنبية قد تكون هي نفسها لها مآرب وأطماع إستعمارية وأنتهازية في سوريا هو خط أحمر لكل وطني سوري شريف وأن مثل هذا العمل نهايته نتيجة واحدة فقط تأتي بالدمار والخراب على سوريا. تعرفت على العديد من أبناء سوريا في المهجر خلال رحلتي القصيرة في هذا العمل، الصالح منهم والطالح، و كنت أرى في معظمهم مدى الحب والإخلاص الذي يحملونه في قلوبهم لسوريا وعمق رغبتهم وإخلاصهم في أن تكون بلدهم سوريا في طليعة البلدان المتقدمة سياسياً وإجتماعياً وثقافياً على الرغم من عيشهم في المهجر لعقود من الزمن، ورغم أن العديد منهم كان قد لاقى العذاب والقهر والظلم والقمع في سوريا وبعضهم قضى سنين من عمره في السجون لأسباب سياسية فقط ولكنني لم أسمع يوم من أحدهم تعبيراً عن رغبته في أنتقام أو ثأر أو عنف ضد فرد أو شخص في سوريا، وقد زادني ذلك أيماناً بأن شعب سوريا له خصوصية مسالمة ويتسم بقلب واسع ومتسامح وإيمان ثابت على قواعد متينة في الوطن والأرض يتميّز بها عن باقي شعوب المنطقة
.
لهذه الأسباب أعلن اليوم أنسحابي الكامل من النشاط السياسي المنظم بكل أشكاله وأنواعه. وأعلن أستقالتي من منصب مدير مكتب جبهة الخلاص الوطني في سوريا في واشنطن وإنسحابي من عضوية المجلس الوطني فيها. بالإضافة ألى ذلك أعلن أنسحابي الكامل من حزب الأنفتاح الذي كنت عضواً مؤسساً فيه ومشاركاً فاعلاً في صفوفه
.
سأبقى مناصراً ومناشداً للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وذلك لإيماني الكامل بأن قيم التقدم والحضارة والإبداع لاتنبت إلا بأرض خصبة تتمتع بحرية الإنسان وترعى حقوقه المدنية في ظل العدل والقانون
.
وأتمنى لكل الشرفاء والمناضلين في صفوف المعارضة السورية في سبيل إقامة دولة العدل والحرية في سوريا النجاح والتوفيق في سعيهم السلمي في المستقبل لإعادة الحياة السياسية الطبيعية للمواطن السوري تحت ظل قضاء مستقل وحكومة تمثل الشعب و تحمي دستور البلاد وتؤمن الرخاء والأمن والإستقرار لجميع السوريين

بشار السبيعي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الديمقراطية بين براثن الديبلوماسية العربية والسلطوية

Syria enters into the Islamic Resistance Den

قراءة موضوعية لموقع الناقد