بين نضال نعيسة وفضيلة الشيخ القرضاوي


لم تكن لدي رغبة في الكتابة في الشأن العام منذ فترة طويلة من الزمن، فأنا اليوم منهمكاً في التحضير والترتيب للعمل في مجال الدراما التلفزيونية، ولكنني لم أستطع كبح جماح تلك الرغبة اليوم وأنا أقرأ مقالاً للأستاذ نضال نعيسة على موقع الحوار المتمدن يدعو فيه إلى محاكمة فضيلة الشيخ الجليل والعلامة الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الأتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لما دعا أليه الأخير بمنع المسلمين ألى كافة أشكال الإحتفال بعيد ميلاد رسول المحبة والسلام عيسى بن مريم.
وقد أثارذلك المقال للكاتب الكثير من المشاعر التي طالما كانت المسبب الرئيسي للكثير من القلق والإحباط النفسي عندي لمستقبل المسلمين والعالم الإسلامي أجمع بأن يكون لايزال هناك بصيص أمل في الخلاص من الأزمة الفكرية السلفية والرجعية التي نشأت في ربوع الجزيرة العربية وأحتكرت عقول القياديين ومايُسمون أنفسهم بالشيوخ والمفكرين والعلماء المسلمين من أمثال فضيلة الشيخ القرضاوي.
ومع أنني لست من أصحاب التملق لأي كاتب يُعبر عن رأيه في شأن ما، ولكنني شعرت أن مايتمتع به الأستاذ نضال نعيسة هنا من رؤية ثاقبة و واقعية لأسباب التخلف والتشرذم والإنحطاط الإسلامي النابع من تبني الفكر السلفي والرجعي والعنصري عند الشيخ القرضاوي، الممثل الأعلى للإتحاد الإسلامي لعلماء المسلمين، هو صفة إنسانية عالية الرقي تستحق مني الشكر والإحترام والدعم للكاتب، حتى ولو أنني أختلف معه في آراء وقضايا أخرى كنت سابقاً كتبت عنها في هذا الموقع.
ماأشار أليه الأستاذ نعيسة في مقالته بعنوان "لماذا لايحاكم القرضاوي بتهمة التحريض على الكراهية والإعتداء؟" بتاريخ 26-12-2009 على موقع الحوار المتمدن، شيئ يدعو للإعتزاز والفخر ويستحق دعم كل من يؤمن منا اليوم في العالم العربي والإسلامي بالتسامح والعيش المشترك بين الطوائف والأديان، وكل من يحارب التعصب والحقد والكراهية في الأديان. ومادعاني اليوم للكتابة مرة أخرى هو إيماني العميق بذلك، وما يتوجب علينا أخلاقياُ وعلى كل من يؤمن بمادئ التحرر العلماني للخلاص من التسلط الديني والفكر الرجعي والأصولي المسبب الأول والأخير لتخلف الأمة الإسلامية ومنعها من أن تلحق بموكب الحداثة والإنفتاح على عالمية المعرفة والعلم.
والحقيقة أنني عندما قرأت مادعا أليه الشيخ القرضاوي ألى مقاطعة هذه الأحتفالات، وعدم المشاركة بها، وتحريمها شرعاً، والنهي عن تقديم التبريكات بهذه المناسبة ألى أتباع الديانة المسيحية، لم أستطع إلا أن أشكك في نفسي عما إذا كنت في الحقيقة اليوم مازلت أنتمي لهذه الديانة الإسلامية!!!! فأنا ولدت مسلماً، وترعرت في مجتمع إسلامي، ودرست الديانة الإسلامية منذ الصف الأول الإبتدائي ألى الثانوية العامة في دمشق، وعشت طفولة مليئة حولي بالطقوس الإسلامية ، من صلاة وصيام وأحتفالات دينية ومباركات وتبريكات بالأعياد والمناسبات، وشاركت(أحياناً) في كل ذلك منذ نعومة أظافري، ولكن الشك راودني عندما سمعت مايقول رئيس الإتحاد الإسلامي لعلماء المسلمين، وصعقت ولم أعد على يقين في ديني وإسلامي، واليوم أكثر من أي وقت أخر، أسأل في نفسي، لماذا أبارك وأشارك(أحياناً) في هذه الطقوس الإسلامية لطالما أنني في عداد المخالفين للشريعة الإسلامية عند علمائنا وأساتذتنا في العلم والفقه الإسلامي؟ لماذا أحترم تلك الطقوس الإسلامية وأدعو ألى أحترام قدسيتها وحرية ممارستها لطالما هناك من يمنع عني أن أشارك زوجتي المسيحية في أكبر أحتفال قدسي لها، ميلاد رسول المحبة والسلام عيسى بن مريم؟!
السؤال الجوهري اليوم الذي يطرحه الأستاذ نعيسة في مقالته يسلط الضوء على معضلة العالم الإسلامي العربي ويدعو فيه ألى الخروج من دوامة الكراهية والعداء وروح الفرقة و الإنقسام التي تفتك فيه منذ عقود، سؤال يستحق الإجابة عليه من قبل منظمة الإتحاد الإسلامي لعلماء المسلمين. فكيف لتلك المنظمة أن تنادي بالتسامح والتعايش بين الأديان وتناهض الغرب على شنه الحروب والعداء والكراهية للمسلمين، وتدافع عن هذه المبادئ بشدة وتشن حملاتها الإعلامية ضد دول الغرب لتماديها في الإساءة لرسول المسلمين والإسلام، وفي نفس الوقت أن تسمح لرئيسها والممثل الأعلى لها من أن يتفوه بمثل هذا الفقه الديني الذي يحرض على البغض والكراهية للأديان السماوية الأخرى؟
في النهاية لايمكنني إلا أن أعزي نفسي أن هناك اليوم رجال دين ومفكرين في العالم العربي والإسلامي لايؤمنون بما أفتاه علينا الشيخ الجليل القرضاوي، ولاينتمون إلى ذلك الفكر الظلامي والرجعي والتكفيري في عالم الفقه الإسلامي. ولم أستطع عندما قرأت ماقاله الشيخ القرضاوي إلا أن أتذكر لقائي مع سماحة مفتي الجمهورية العربية السورية الشيخ أحمد حسون منذ أشهر وأقارن ماسمعت منه عن التسامح والتعايش في الدين الإسلامي بما تفوه به فضيلة العلامة القرضاوي. فعندما سألت سماحة مفتي الجمهورية العربية السورية أحمد حسون، الذي أكن له فائق الإحترام والإجلال، عن مسؤولية رجال الدين الإسلامي تجاه الطوائف والأديان الأخرى التي تشكل خصوصية للفسيفساء الإجتماعي المتواجد في منطقتنا قال لي "أنا أعتبر نفسي مفتي جميع الطوائف والأديان في سوريا وهذه المسؤولية توجب على نفسي أن أكون المثال الأول للتعايش والتسامح بين الأديان والطوائف".
أتمنى لهذه الفئة من رجال الدين أن تتغلب على الفكرالأصولي والسلفي والرجعي والظلامي الذي طالما ساد عالم الفكر الإسلامي لعقود من الزمن. وأناشد رؤساء وملوك الدول العربية والمؤسسات الفكرية والإعلامية والدينية المسؤولة أخلاقياً بأن تحارب ذلك الفكر في جميع أرجاء المعمورة، وأن تدعم جميع الكتاب والمفكرين ورجال الدين ممن تبنى منهم ذلك الفكر التنويري والأخلاقي، أمثال سماحة مفتي الجمهورية العربية السورية أحمد حسون والكاتب نضال نعيسة، في نشر روح التسامح والتعايش والإخاء بين جميع الأديان والطوائف في مجتمعاتنا وبلادنا العربية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الديمقراطية بين براثن الديبلوماسية العربية والسلطوية

Syria enters into the Islamic Resistance Den

قراءة موضوعية لموقع الناقد