أنتهاء عصر العنجهة والغطرسة الإسرائيلية


المراقب للحدث السياسي الإستراتيجي اليوم في منطقة الشرق الأوسط يتجلى له عمق التغيرات التي تجري على الساحة في موازن القوى التي أحتكرتها دول غير عربية منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. ومع أن هذه القوى الممثلة في إيران، وتركيا، وإسرائيل بقيت لفترة طويلة من الزمن تشكل الدعائم الأساسية في لعبة التوازن الجيوستراتيجي الذي رجح ميلان هذه الكفة نحو دور الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة من خلال أثنتين من حلفائها التاريخيين الممثلين في إسرائيل وتركيا بالإضافة ألى قواها العسكرية الموجودة في المنطقة، ولكن اليوم يبدو أن المؤشرات المستقبلية لهذا التوازن بدأت بالميل ولأول مرة نحو العرب من خلال ولادة حلف جديد تقوده الجمهورية العربية السورية وتشكل النواة الأساسية فيه.
فبعد زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد هذا الأسبوع للمشاركة بإحتفالات عيد المولد النبوي الشريف في دمشق، تظهر على الساحة ملامح القوة التي أستطاع الرئيس بشار الأسد أن يبنيها من خلاله ثباته على مبدأ والده الرئيس الراحل حافظ الأسد، والإيمان بإستقلالية القرار السوري ومسك العصا من المنتصف لتصبح سوريا اليوم الدولة العربية الأولى التي أستطاعت عبر التوافق مع شعبها في الموقف الوطني والإيمان بالآمال التحررية للشعوب العربية من الهيمنة الإمبرالية، والتضامن مع تلك الشعوب من المحيط ألى الخليج بتحقيق أهدافها.
التحالف السوري-الإيراني-التركي اليوم أصبح الهاجس الأول لإسرائيل. ومع أستعدادات خروج القوى العسكرية الأمريكية في العراق في نهاية العام المقبل حسب الأتفاقية التي وقعتها الولايات المتحدة الأمريكية مع العراق، تبقى الساحة مفتوحة أمام دول المنطقة العربية اليوم لبناء وتعزيز هذا الحلف عبر لبنان والعراق من خلال التعاون المتشرك مع سوريا لإيجاد درع واقٍ ضد أستمرار العدوان الإسرائيلي على دول المنطقة والأراضي المحتلة في فلسطين ولبنان وسوريا. وتأتي التهديدات الإسرائيلية التي أطلقها مؤخراً وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ضد سوريا ولبنان في سياق القلق الإسرائيلي الواضح والناجم عن هذا التحالف.
والمراقب لأوضاع المنطقة اليوم يجد أن سوريا أصبحت محور القوى الإقليمية في المنطقة والدرع الأول في مواجهة أستمرار الغطرسة الصهيونية، وتعنت القيادة الإسرائيلية على سلك منهج القوة في التعامل مع ملف السلام في الشرق الأوسط.
وماتشهده العاصمة دمشق اليوم من تحركات إيجابية نحوها من الجانب الأوربي بقيادة فرنسا وبقية بلدان العالم ماهو إلا ثمار السياسة الحكيمة للرئيس بشار الأسد التي أنتهجها خلال السنوات المنصرمة في التعامل مع المتغيرات الإقليمية للمنطقة، والإخلاص في أيمانه بأن سوريا شعباً وقيادة ترنو ألى إحلال السلام العادل والشامل الذي يحقق إسترجاع كامل الأراضي المحتلة بدون أي تنازل عن المبادئ والثوابت الوطنية والإنتماء العربي والإسلامي.
وجاءت تصريحات الرئيس الدكتور بشار الأسد الأخيرة والرئيس الإيراني أحمدي نجاد خلال المؤتمر الصحافي المنعقد بعد زيارة الأخير ألى العاصمة دمشق معبرة عن الجذور العربية والمحلية العميقة التي تربط أستراتيجة الدولتين بشعوبهم وترسل بنفس الوقت الرسالة الواضحة ألى الغرب والشرق بأن أبناء المنطقة وسكانها هم الذين يقررون مسارها، وأن عصر الوصاية الخارجية للمنطقة اليوم أنتهى، وأن تحقيق آمال شعوب المنطقة في تقرير مصيرهم ومصير أبنائهم بأنفسهم أصبح حقيقة فرضية على أرض الواقع.
على أسرائيل اليوم أن تفكر ملياً قبل أن تعتدي مرة أخرى على أي بلد من بلدان المنطقة، فقد حان الآوان اليوم لها للمواجهة الصريحة مع النفس والجواب على السؤال الأول والأخير الذي طالما رفضت أن تتعامل معه بصدق وشفافية وآثرت على أختيار طريق العدوان والحرب، وهو أن السلام الحقيقي مع جيرانها لايمكن له التحقيق إلا بالإسترجاع الكامل للأراضي العربية المحتلة وإعادة الحقوق لأصحابها، والتخلي عن الغطرسة والعنجهية الصهيونية التي أتسمت بها لعقود من الزمن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سوريا الأسد... ممانعة أم مصافحة؟

The Israeli/Syrian negotiations and the lack of courage

Follow up on "Academic Terrorism"