المشاركات

في الثورة والشك والإنسان

تكاثر الصخب والضجيج فوق مقالة صغيرة كتبها الكاتب شوكت غرز الدين بعنوان "يابابا شيلني" في مجلة "طلعنا عالحرية" يتسائل فيها عن طبيعة هذا الإله الذي ترك هذا الطفل ووالده عاجزاً عن أن يحميه أو حتى يوقف تلك الحرب المجنونة والمأساة الإنسانية الجارية في سوريا منذ ستة سنوات. أنتفض حراس الفضيلة والدين ضد المقالة والمجلة والمؤسسات المدنية والداعمين لهم مادياً ومعنوياً، وطالب بعض المواطنين بإغلاق المجلة ومحاكمة القائمين عليها. وهبَّ زعران جيش الإسلام لتصدر الموقف وأغلقوا المجلة وجميع مكاتب المجتمع المدني والمؤسسات الإغاثية المدعومة من الداخل والخارج، خوفاً على الدين والتدين من التلوث بهذا الفكر الجرثومي الكافر الملحد، وحماية للفضيلة والله معاً. هكذا يرى من خرج منادياً للحرية والكرامة الإنسانية شكل دولته القادمة، نسخة جديدة من الطغيان والاستبداد مستبدلة بالدينية عوضاً عن السياسية. قال الكاتب المسرحي والفيلسوف الفرنسي الشهير فولتير "إنني لا أوافقك الرأي فيما تقوله، ولكنني سأدافع حتى الموت عن حقك بقول ما تريد" لا يمكن لشعب فاقد لأدنى الإحساس بإنسانيته أن

في لمّ شمل العائلة السورية

لن نستطيع ردم الهوة المتسعة اليوم بين معارض ومؤيد في سوريا إلا بالعودة إلى إصلاح النفس ولمّ شمل الوحدة الأولى في المجتمع وهي "العائلة". أصبحت سوريا مثال يحتذى به في تمزق النسيج الاجتماعي الناتج عن تجاذبات السياسة لأقطاب متعاكسة ومتضاربة. وأصبح الأخ ضد أخيه والأب ضد ابنه وابن العم ضد أولاد عمومه وهكذا حتى تكسرت الروابط العائلية وتفاقمت الشروخ الاجتماعية وكبرت لتبتلع ما تبقى من هذا المجتمع الممزق والمنكسر في جميع أركانه وكياناته. كيف لنا أن نصلح هذا المجتمع وننقذه من طريقه نحو الاندثار الحتمي، والانحدار في غياهب القبلية والعشائرية التي تطحن الفردية الشخصية وتُصهرها في بوتقة العقل الجمعي والتطرف الطائفي الذي يعصف اليوم في سوريا والمنطقة بأكملها؟ وكيف لنا أن نستغل هذا العمل في بناء تعزيز احترام الحريات والآراء الشخصية وتحرير المجتمع من عبودية تلك المفاهيم البطرياركية التي تكبل أفراد العائلة الواحدة وتدفع الفرد نحو التطابق والانصياع لقوانين وضوابط العادات والتقاليد، وتحدّ من الإبداع الفكري والخروج عن المألوف اللذان يشكلان القاعدة الأساسية في بناء المجتمع الصحي والمتمدن

حديث خاص مع الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون مفتي الجمهورية العربية السورية

قبل أن أبدأ بالحديث عن سماحة مفتي الجمهورية العربية السورية ، لابد أن أنوه أن كل ماأُدلي به هنا ناتج عن شعور إحباط كامل بما كنت أكُنُ لهذا الشخص من محبة وإحترام  لسماحته بعد أن حالفني الحظ وتعرفت عليه عبرعدة لقاءات جمعتني به شخصياً خلال وجودي في دمشق. وهذا الشعور بالإحباط والآسى ناتج اليوم عن الموقف السلبي الذي أتخذه سماحته من الثورة السورية والمتظاهرين في سوريا. ومع أنني يمكن أن أتفهم بعض الأسباب التي دعت سماحته لإتخاذ مثل هذا الموقف ، ولكنني لايمكن أن أسامح ذلك العقل المتنور والمنفتح الذي وجدته عند أحد علماء الدين الإسلامي في دمشق ، مفتي الجمهورية العربية السورية الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون. في لقائنا الأول في منزل والدي في منطقة المزة ، أجتمع أفراد العائلة حول سماحته ليطرحوا عليه الأسئلة الدينية العامة والخاصة التي طالما أقلقت ضمائرهم و تركتهم في غياهب فضاء الأرواح الباحثة عن اليقين ليطردوا بعيداً عنهم شكوك النفس وأهوائها. لأن الزمن يمكن أن لا يسمح لنا بفرصة أخرى للقاء مع شخصية كهذه التي تمثل أعلى سلطة دينية وفقهية و رسمية في سوريا.  ولاشك أن مجرد وجودك مع تلك الهالة ال

في براغماتية "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في سورية"

أعتادت سورية على تخريج رجال سياسة براغماتية منذ أوائل القرن المنصرم ، فمن لايستطيع أن يذكر رجال سياسة في تاريخ سورية أكثر براغماتية من الرئيس الراحل شكري القوتلي ، وبعده هاشم الأتاسي ، أو رؤساء الوزراء مثل صبري العسلي و فارس الخوري وغيرهم الكثيرون الذين تشهد لهم مواقفهم الوطنية مدى الحنكة السياسية التي كانوا يمتلكونها في إدارة الأزمات التي لم تترك مجالاً للإستراحة بين فصولها في زمن الديمقراطية السياسية القصير التي عاشته سوريا في منتصف القرن المنصرم. واليوم تشهد سورية تخريج نخبة جديدة من السياسيين المعاصريين في صفوف المعارضة السورية الذين يحاولون أن يطبقوا براغماتية سياسية جديدة للخروج من الأزمة التي تمر بها البلاد. لكن من سوء حظهم أختلف الزمن والتاريخ والظرف في هذه الأزمة وماكان مقبولاً في زمن السياسية "الإنسانية" (بدون قتل وقمع وحشي من قبل السلطة لمتظاهرين سلمّيين في الشارع) ، التي عاشتها سورية من بعد الإستقلال من الإنتداب الفرنسي حتى إنقلاب العسكر البعثيين على السلطة في 8 أذار عام 1936 ، لم يعد اليوم قادراً على الوقوف في مواجهة الألة العسكرية والأمنية العقائدية التي

عذراً ياسيادة الرئيس بشار الأسد

ترددت الكثير قبل أن أخط هذه الكلمات ، ولكنني لم أستطع أن أبقى صامتاً بعد كل ماكنت شاهداً عليه خلال هذه الأشهر الستة من عمر الثورة السورية. وشعرت أنه من الواجب الأخلاقي والإنساني كمواطن سوري أن أقول كلمة الحق تحت أي ظرف كان ومهما ساءت العواقب. ولكنني لم أعرف لمن أتوجه بالكلام الذي أريد أن أقوله ، فأنا لاشك أنني كنت من المحظوظين القلائل الذين أستطاعوا أن يدخلوا العمل السياسي المنظم لفترة وجيزة من الزمن ويخرجوا منه سالمين من دون سجن أو قتل أو تشريد ، وذلك بعد خروجي من أروقة المعارضة السورية والعمل السياسي المنظم فيها منذ سنتين ، و أستقالتي من منصب مدير مكتب جبهة الخلاص الوطني في سوريا في العاصمة الأمريكية واشنطن. والجميع يعرف أن عمل المعارضة السورية يحمل معه من المخاطر على سلامة من يدخل فيه هو عائلته ، ماهب ودب من ماتستطيع أن تفعل به أجهزة المخابرات السورية المتعددة الأشكال والألوان. لهذا السبب رأيت أن أخاطب الرئيس بشار الأسد مباشرة ، بما أنه كان الشخص الذي قدم لي مباشرة الحماية والعفو من ماكان ينتظرني من عقاب تحت القوانين التعسفية الموجودة حالياً في قانون العقوبات السوري ، و

Escaping Mumana'a and the US-Saudi Counter-Revolution: Syria, Yemen, and Visions of Democracy (Interview with Fawwaz Traboulsi)

Escaping Mumana'a and the US-Saudi Counter-Revolution: Syria, Yemen, and Visions of Democracy (Interview with Fawwaz Traboulsi)

أنتهاء عصر العنجهة والغطرسة الإسرائيلية

المراقب للحدث السياسي الإستراتيجي اليوم في منطقة الشرق الأوسط يتجلى له عمق التغيرات التي تجري على الساحة في موازن القوى التي أحتكرتها دول غير عربية منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. ومع أن هذه القوى الممثلة في إيران، وتركيا، وإسرائيل بقيت لفترة طويلة من الزمن تشكل الدعائم الأساسية في لعبة التوازن الجيوستراتيجي الذي رجح ميلان هذه الكفة نحو دور الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة من خلال أثنتين من حلفائها التاريخيين الممثلين في إسرائيل وتركيا بالإضافة ألى قواها العسكرية الموجودة في المنطقة، ولكن اليوم يبدو أن المؤشرات المستقبلية لهذا التوازن بدأت بالميل ولأول مرة نحو العرب من خلال ولادة حلف جديد تقوده الجمهورية العربية السورية وتشكل النواة الأساسية فيه. فبعد زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد هذا الأسبوع للمشاركة بإحتفالات عيد المولد النبوي الشريف في دمشق، تظهر على الساحة ملامح القوة التي أستطاع الرئيس بشار الأسد أن يبنيها من خلاله ثباته على مبدأ والده الرئيس الراحل حافظ الأسد، والإيمان بإستقلالية القرار السوري ومسك العصا من المنتصف لتصبح سوريا اليوم الدولة العربية الأولى التي أستطاعت عبر

أصوات من واشنطن حطّمها العقل والزمن

منذ سنتين وخلال حملته الإنتخابية التي توجت بإنتصار تاريخي لأول رجل أسود من أصول أفريقية يصل ألى البيت الأبيض في العاصمة الأمريكية واشنطن، كانت تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما واضحة وشفافة نحو طبيعة العلاقات الثنائية بين سوريا وواشنطن التي كان يسعى لها أنذاك تحت إدارته. واليوم بعد عدة زيارات للمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل ومحادثات وصفت بالإيجابية في مجال التعاون بين البلدين، وتوجت أخرها بزيارة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية وليام بيرنز ألى العاصمة دمشق، ورفع حظر السفر للمواطنين الأمريكيين ألى سوريا من قبل وزارة الخارجية الأمريكية. ومع ترشيح الرئيس أوباما الأسبوع الماضي روبرت فورد لمنصب سفير الولايات المتحدة الأمريكية في دمشق، لاتزال هناك أصوات في واشنطن تسعى ألى تخريب منهج سياسة الحوار القائم على الإحترام المتبادل بين البلدين، وزرع الشك والريبة في نوايا العاصمتين واشنطن ودمشق في السعي وراء الإستقرار والسلام في المنطقة. وليس من المستغرب أبداً أن تأتي هذه الأصوات من نفس الجهات والمؤسسات التي تعمل في الولايات المتحدة الأمريكية وتمول من مؤسسات ومواطنين أثرياء أمريكيين يهود لط

في الديمقراطية والحرية والثقافة الدينية في الوطن العربي

يسأل البعض عن إمكانية التغيير السلمي في النظم السياسية الحاكمة في الوطن العربي اليوم عن طريق دعم الحريات العامة والفردية والسماح بممارسة حق الفرد في المشاركة الفعلية في إدارة شؤون البلاد العامة. والسؤال هنا لاينبع من رؤية حقيقية وواقعية لحال المجتمعات العربية ويشكل في جوهره معضلة العالم العربي اليوم في مواكبة الحداثة والثقافة المعرفية العالمية التي دفعت بلدان الغرب نحو المدنية والتقدم وجعلتها من الأوائل في قيادة العالم. ومع تراجع الحديث اليوم بعد إنهيار حكم المحافظون الجدد في العاصمة الأمريكية وأمثالهم في العالم الغربي عن ضرورة تبني الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان من قبل حكومات العالم العربي، تعلو أصوات المعارضيين السياسيين في العالم العربي بالإنتقاد اللاذع والحاد لحكام تلك البلدان وتحملهم المسؤولية لكل ماهب ودب من قمع تلك الحريات الشخصية والعامة وتأخر النمو الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والسياسي في تلك البلدان. وتلجأ هذه الأصوات أحياناً ألى أسفل التعابير في الوصف وأقسى الكلام في المستوى الأخلاقي والنحوي وإتهام الرؤساء والملوك والسلاطين العرب بالتواطؤ مع الغرب والشرق في قمع شعوبهم من