حديث خاص مع الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون مفتي الجمهورية العربية السورية

قبل أن أبدأ بالحديث عن سماحة مفتي الجمهورية العربية السورية ، لابد أن أنوه أن كل ماأُدلي به هنا ناتج عن شعور إحباط كامل بما كنت أكُنُ لهذا الشخص من محبة وإحترام  لسماحته بعد أن حالفني الحظ وتعرفت عليه عبرعدة لقاءات جمعتني به شخصياً خلال وجودي في دمشق. وهذا الشعور بالإحباط والآسى ناتج اليوم عن الموقف السلبي الذي أتخذه سماحته من الثورة السورية والمتظاهرين في سوريا. ومع أنني يمكن أن أتفهم بعض الأسباب التي دعت سماحته لإتخاذ مثل هذا الموقف ، ولكنني لايمكن أن أسامح ذلك العقل المتنور والمنفتح الذي وجدته عند أحد علماء الدين الإسلامي في دمشق ، مفتي الجمهورية العربية السورية الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون.

في لقائنا الأول في منزل والدي في منطقة المزة ، أجتمع أفراد العائلة حول سماحته ليطرحوا عليه الأسئلة الدينية العامة والخاصة التي طالما أقلقت ضمائرهم و تركتهم في غياهب فضاء الأرواح الباحثة عن اليقين ليطردوا بعيداً عنهم شكوك النفس وأهوائها. لأن الزمن يمكن أن لا يسمح لنا بفرصة أخرى للقاء مع شخصية كهذه التي تمثل أعلى سلطة دينية وفقهية و رسمية في سوريا.  ولاشك أن مجرد وجودك مع تلك الهالة القدسية لمنصب مفتي الجمهورية  تختلج صدرك مشاعر مختلفة فيما إذا كان ذلك الشخص في الحقيقة أقرب ألى الله منك أو من أي أحد تعرفه من أصدقائك و أقربائك أم أنه يلعب ذلك الدور بحرفية تفرض عليك الإحترام والحذر في تواجده معك في نفس الغرفة ، وتبقى منصتاً تصغي لكل حرف وكلمة صادرة عن هذا الشخص الجليل ذو المنصب الرفيع في عالم الدين والروحانيات.

تكلم سماحته قرابة ساعة ونصف في جميع المواضيع الإجتماعية المطروحة اليوم في عالمنا الإسلامي، وقد أبهرنا في وسعة معرفته ، وحِدّة عقله ، وبلاغة فقهه ، فهو الحائز على إجازة الدكتوراة في الشريعة الإسلامية  والمختص في الفقه الشافعي. ولكن ماأثار عندي الفضول لمعرفة فكر سماحته أكثر وأكثر هو ما لمست عنده من حماسته المفرطة نحو تحديث الخطاب الديني وعصرنة الفقه الإسلامي ، والأهم من ذلك هو دعمه ونشره الواسع لفكرة وحدة الإله الإبراهيمي والتعايش بين الأديان والطوائف بمختلف مناهجها وأطيافها. 

ولم يختلف اللقاء الثاني كثيراً عن الأول فقد كان في مكان إقامته في قلب دمشق في منزل نائب رئيس الجمهورية العربية السابق عبد الحليم خدام الذي يبعد خطوات عن مقر السفارة الأمريكية. وكم كانت خيبتي كبيرة عندما أعلمني أحد أصدقائي بملكية هذا المنزل سابقاً. وقد حالفنا الحظ وقتها أننا وجدنا النائب البطريركي العام في القدس الشريف لكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، والمطران في المنفى هيلاريون كبوجي عند فضيلته و دار الحديث حول التعايش بين الأديان في سوريا كمثال يحتدى به ، ورؤية الغرب السلبية نحو الإسلام المعاصر. و في نهاية اللقاء الذي حضره مجموعة من الشيوخ السوريون الأفاضل ، قدم سماحة المفتي هدية تذكارية لوالدي وتم أخذ الصور التذكارية.

بعد ذلك اللقاء في منزل إقامة المفتي في دمشق طلبت منه أن يتوج لقائي معه بمقابلة تلفزيونية نناقش في الإسلام والعالم من الناحية الفقهية والشرعية ومايواجه الإسلام من تحديات العصر اليوم ، وخاصة الصراع الجاري بين الغرب والعالم الإسلامي. وسأترك الحكم للمشاهدين لهذه المقابلة بعد أن أضعها بأكملها على موقع اليوتوب الذي أنشأته منذ أيام. وقد خرجت من هذا اللقاء أيضاً مفعماً بالإعجاب والتقدير لفكر سماحته العصري المتنور والمتسامح نحو العالم والداعم للإنسانية بشكل عام.

ولكن مافاجأني هو أخر تصريحات أو في الحقيقة  تهديدات سماحته للعالم الغربي بإرسال أو تحريك "الألاف من الإستشهاديين" ضد أوربا وأمريكا  إذا فكرت هذه الدول في ضرب سوريا.  طبعاً هذا النوع من التصريحات تعودنا عليه من العوام والمتطرفين الإسلاميين ولكن لايمكن لي أن أتصور أن تأتي تلك التصريحات من رجل في هذا المنصب. فهذا النوع من التصريحات لم أكن أتوقعها أبداً من شخص عرفته عن قرب و عرفت فيه روح التسامح والتآخي في عالم الدين والروحانيات. وقد صُعقت عند سماع ماقاله سماحته من إتخاذ مبدأ "العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم" في قاموس أفكاره. أين كان يرقد تلك العنف في شخصية سماحته خلال مقابلتي معه؟ أين ذهبت روح التسامح والتآخي والحب الذي طالما يتحدث عنه في تلك المقابلة؟ وبعد سماعي كلمة سماحته في تشييع نجله الشاب سارية أحمد حسون أصبحت أسأل نفسي هل من الممكن أن تكون تلك التصريحات النارية ناتجة عن تلك العواطف والمشاعر الممتلئة بالأسى والحزن؟ أم هل من الممكن أن تكون نوايا سماحته صادقة لدرء الفتنة عن سوريا؟ ولكن كيف يمكن لسماحته أن يتغاضى عن حقيقة مايجري في سوريا؟ هل الغرب وأوربا هو من يقتل ويشرد ويعتقل ويعذب ويقمع المتظاهرين السلميين في سوريا أم النظام؟ ألا يعرف سماحته أن سارية رحمه الله هو واحد من بين أكثرمن 3500 شهيد لقوا حتفهم نتيجة العنف المفرط التي تمارسه السلطة ضد المتظاهرين؟   كيف يسمح سماحته لنفسه بأن يقف مع الظالم ضد المظلوم؟ ألا يتناقض هذا الشيئ مع جوهر الدين الإسلامي الذي كّرس حياته من أجله؟ من الذي يملك السلاح والعتاد والمال ويحاول قمع وإخماد الإحتجاجات الشعبية من شرق البلاد ألى غربها بالقوة والعنف؟ أي حوار هذا الذي يدعوا أليه أهل النظام والقتل والتنكيل والتشريد والتعذيب لايتوقف ثانية في جميع أنحاء البلاد؟ و كيف يسمح سماحته لنفسه بأن يبقى برفقة رجل يتآمرعلى و يأمر بقتل شعبه؟

مع أنني يمكن أن أفهم بعض الأسباب الشخصية لوقوف سماحة المفتي مع النظام اليوم ، ولكنني لاأستطيع الإجابة عن كل هذه الأسئلة لوحدي. لذلك قررت أن أترك لكم الحكم عن كل ذلك عبر نشر مقابلتي مع سماحة مفتي سوريا الشيخ الدكتورأحمد بدر الدين حسون. لهذا السبب أضعها اليوم بين أيديكم علني أجد جواباً عن بعض هذه الأسئلة عندكم عبر مشاركتكم  و أرجو أن تنال إعجابكم.

لمشاهدة المقابلة الرجاء النقر على الرابط التالي:

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سوريا الأسد... ممانعة أم مصافحة؟

The Israeli/Syrian negotiations and the lack of courage

Follow up on "Academic Terrorism"