عذراً ياسيادة الرئيس بشار الأسد

ترددت الكثير قبل أن أخط هذه الكلمات ، ولكنني لم أستطع أن أبقى صامتاً بعد كل ماكنت شاهداً عليه خلال هذه الأشهر الستة من عمر الثورة السورية. وشعرت أنه من الواجب الأخلاقي والإنساني كمواطن سوري أن أقول كلمة الحق تحت أي ظرف كان ومهما ساءت العواقب. ولكنني لم أعرف لمن أتوجه بالكلام الذي أريد أن أقوله ، فأنا لاشك أنني كنت من المحظوظين القلائل الذين أستطاعوا أن يدخلوا العمل السياسي المنظم لفترة وجيزة من الزمن ويخرجوا منه سالمين من دون سجن أو قتل أو تشريد ، وذلك بعد خروجي من أروقة المعارضة السورية والعمل السياسي المنظم فيها منذ سنتين ، و أستقالتي من منصب مدير مكتب جبهة الخلاص الوطني في سوريا في العاصمة الأمريكية واشنطن. والجميع يعرف أن عمل المعارضة السورية يحمل معه من المخاطر على سلامة من يدخل فيه هو عائلته ، ماهب ودب من ماتستطيع أن تفعل به أجهزة المخابرات السورية المتعددة الأشكال والألوان.
لهذا السبب رأيت أن أخاطب الرئيس بشار الأسد مباشرة ، بما أنه كان الشخص الذي قدم لي مباشرة الحماية والعفو من ماكان ينتظرني من عقاب تحت القوانين التعسفية الموجودة حالياً في قانون العقوبات السوري ، و محاكمتي في سوريا بسبب إنخراطي في العمل المعارض. وأردت في هذه الرسالة أن أشكره شخصياً على المعاملة الإستثنائية التي حظيت بها بسبب أهتمامه بعودتي ألى القطر ، وفي نفس الوقت أن أصارحه بما يلوج في صدري من كلام كنت أتمنى أن أقوله له مباشرة قبل مغادرتي القطر. بالإضافة أردت أن أخاطب الشعب السوري الشجاع الذي أظهر معدنه الحقيقي بعد أن تفاقمت أزمته ، وتراكمت مظالمه ، وسالت دماء أبناءه في شوارع ومدن سوريا من جنوبها و شمالها ألى أقصى شرقها وغربها.
ومع أنني لاأرى مخرجاً قريباً من المأزق السياسي الذي وقعت به بلدنا الحبيب سوريا بسبب تفاقم قطبية الأطراف المتنازعة اليوم على السلطة بين المعارضة والموالاة ، وعدم  جدية السلطة في أي إصلاح جذري وحقيقي قدمته ألى اليوم ، ولكنني أعرف أيضاً أن الحل اليوم بيد السلطة أكثر من أي طرف في المعادلة الأقليمية والدولية ، ومن يترأس هذه السلطة هو الرئيس بشار الأسد ، لهذا السبب أوجه هذا الكلام مباشرة أليه وأقول :
   
عذراً ياسيادة الرئيس ، فأنا لم أكن أتصور منذ أقل من سنة ، أو في الحقيقة أقل من ستة أشهر ، أن تتفاقم الأزمة السياسية في سوريا ألى هذا الحد من الإحتقان والتمزق في الوحدة الوطنية للمجتمع السوري ، فمن كان شاهداً على الأستقبال الشعبي الرائع لسيادتكم بعد أداء الصلاة وخروجكم من الجامع الأموي في سوق الحميدية في شهر شباط الماضي ، لايمكن أن يتصور أن تصل الأمور ألى ماوصلت أليه اليوم في سوريا.
عذراً ياسيادة الرئيس ، ولكن يبدو أنك مخطئاً في تقديرك وتعاملك الأمني مع الأزمة الحالية في سوريا ، نعم أسمح لي أن أخالفك الرأي أنت ومجموعة المستشارين من حولك الذين أصبحوا من المطبلين والمزمرين لك بأمتياز لدرجة أنهم فقدوا الإحساس الكامل بما يجري اليوم  من فظائع ومصائب وإجرام في حق أبناء شعبهم الذين يشاركونهم في العيش في هذا الوطن.
عذراً ياسيادة الرئيس ، فهذه ليست سوريا الجديدة تحت عهدكم المصون التي كنت قد وصفتها لي عبر مدير إدارة مخابراتك العامة اللواء علي مملوك في أجتماعي معه منذ سنتين عند عودتي ألى الوطن بعد أكثر من ثلاثة عقود من الزمن في المغترب. كنت آمل أن أحظى في أجتماع معك قبل إتخاذ قراري مرة أخرى بمغادرة القطر بعد أن تدهور الوضع الأمني ألى هذا الحد من الفلتان القانوني وأصبحت أشعر بالخوف من المستقبل كما يشعر23 مليون من شعب سوريا اليوم ولكن الظروف لم تسمح بذلك.
أسمح لي اليوم أن أتكلم بصراحة وشفافية ، وللأسف أقولها اليوم فقط بعد أن غادرت القطر و شعرت أنه لم يعد هناك خطراُ على نفسي من الجيش أو الأمن أو الشبيحة الذين يستبيحون اليوم حرمات المنازل الخاصة والمساجد ويقتلون ويعتقلون ويعذبون أبناء شعبهم وأخواتهم في جميع أرجاء و أنحاء القطر. نعم ياسيادة الرئيس ،  هذا ماآلت أليه اليوم سوريا ، دولة خارجة عن القوانين الأرضية والسماوية في نفس الوقت ، يُستباح فيها المواطن الضعيف فقط لأنه طالب بما وَهَبَهُ الله عز وجل عند مُولده ، مَطلبٌ مُحق وعادل ومشروع منذ الأبد ، مَطلبٌ تعشقه الغريزة الإنسانية ، مَطلبٌ لايُثمن بثمن ، مَطلبٌ أفنى شعوب العالم في البحث عنه ، مَطلبٌ يلخص بكلمة واحدة وهي الحرية.
سَمِها ماشئت ، مؤامرة إستعمارية ، بندرية ، حريرية ، بريطانية ، فرنسية ، أمريكية ، صهيونية ، كل هذا لايُجدي ولايَنفع ولن يحل الأزمة المصيرية التي يواجهها المواطن السوري اليوم ، فنحن وصلنا ألى نهاية الطريق ، ولم يعد هناك مطرح للإستبداد والقمع في هذا العالم الصغير الذي نعيش فيه اليوم ، الشعب يريد إسقاط النظام ، وهو على أستعداد لأن يدفع الثمن بالدم والروح ، فهل من حاكم رشيد يسمع ندائه ويُجنب البلد الخراب والدمار المتربص بها وبالمنطقة في المستقبل القريب؟
نعم ياسيادة الرئيس ، الخيار اليوم هو إما إنقاذ سوريا وإما إنقاذك وإنقاذ عائلتك والحاشية المستفيدة من الوضع الحالي ، خيار لاأحسدك عليه ، ولكن دماء الشهداء لايمكن أن تعوض بثمن ، والشعب السوري لن يتراجع عن مطلبه في الحرية والكرامة والحياة الكريمة.
لاأتكلم هنا بأسم أحد ، ولا أنتمي اليوم ألى حزب أو مؤسسة أو معارضة ، ولا أرغب في منصب أو موقع بسبب هذا الكلام ، أنا اليوم أتكلم ضميري الحر، وكم كنت أتمنى أن أقول لك هذه الكلمات وجهاً لوجه في سوريا وتحت حماية الدستور والقانون السوري بدون خوف من إعتقال وتشريد وتعذيب ، ولكن للأسف أنني اليوم أخط هذه الكلمات من موطني الثاني الذي أعطاني الحرية لأكتب وأقول وأعبر ، حقوق لم أجدها في موطني الأصل سوريا.
أرجو أن تصلك هذه الكلمات البسيطة اليوم من مواطن سوري أمضى حياته في المغترب وأراد أن يعود ألى وطنه بعد ثلاثة عقود من الزمن ليشارك في بناءه مع أهله وأحبابه لكن القدر شاء غير ذلك . وقد ظننت مخطئاً أن الشعب السوري قد كان على أستعداد بأن يضحي بحريته وكرامته مقابل الأمن والسلام والبحث عن لقمة العيش الكريم ، ولكنني اليوم أشهدُ أن هذا الشعب الباسل الذي يُقابل الرصاص الحي بصدوره العارية سيحقق في النهاية مايرنو أليه ويبني الدولة المدنية ، دولة المؤسسات والدستور والقانون التي تحترم المواطن السوري و تحميه بدل أن تقتله وتعتقله وتعذبه.
أخيراً أقدم أعتذاري للشعب السوري المقدام لإعتقادي الخاطئ أن الإنسان يمكن له أن يحيا بقليل من الحرية والكرامة وأن ماظننت أنه قبول بالأمر الواقع ماكان إلا البركان الثائر في قلب هذا الشعب الذي أثبت اليوم أنه مهما كَبُرت المصائب والمحن والتحديات يظل صامداً شامخاً عال الرأس ، معتزاً بتاريخه وتاريخ أجداده الثوار الذين ضحوا بحياتهم للدفاع عن حرياتهم وحرية هذا الوطن الحبيب. وأقُدم أحر التعازي لأهالي الشهداء الأبرار وأدعو من الله أن يجعل مثواهم الجنة بإذنه تعالى. عاشت سوريا وعاش شعب سوريا الأصيل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سوريا الأسد... ممانعة أم مصافحة؟

The Israeli/Syrian negotiations and the lack of courage

Follow up on "Academic Terrorism"